كان هو بذاته لا يدعو ولا يقرّب إلا إلى متعلّقه وامتثاله فقط.
نعم ، لو كان الأمر بالأهمّ يدعو ويقرّب نحو عدم امتثال الأمر بالمهمّ ، مع وجود شرطه وحفظه ومع تحقّق موضوعه ، لكانت هذه المحرّكيّة والداعويّة مستحيلة ؛ لأنّه مع حفظ شرط المهمّ وتحقّق موضوعه يعني أنّ الأمر بالأهمّ منتفيا ؛ لأنّ شرط الأمر بالمهمّ هو عدم امتثال الأمر بالأهمّ ، فمع عدم امتثاله يكون وجوب الأمر بالمهمّ محفوظا ، وحينئذ يأبى عن الانتفاء والانعدام لصيرورته فعليّا لفعليّة شرطه وموضوعه ، فيقع التنافي حينئذ بين الأمرين.
إلا أنّنا لا نفترض ذلك ، بل نقول : إنّ الأمر بالأهمّ ينفي أصل وجود الأمر بالمهمّ من خلال نفيه لشرطه وموضوعه ، فهو منتف من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، لا من باب وجود المانع عنه ، أي أنّه لا يوجد المقتضي لوجود الأمر بالمهمّ مع وجود الأمر بالأهمّ ، لا أنّ المقتضي موجود وإنّما يرتفع بسبب المانع ، فإنّ ارتفاعه عندئذ مستحيل ؛ للتعارض والتضادّ بينهما.
وبتعبير آخر : إنّ الأمر بالأهمّ لمّا كان مطلقا وفعليّا فهو حين امتثاله وتحقيق متعلّقه سوف يحقّق مطلبين :
أحدهما : امتثال الأمر بالأهمّ بامتثال متعلّقه وتحقيق موضوعه ، وهذا يعني استيفاء الملاك منه بإيجاده.
والآخر : امتثال الأمر بالمهمّ وذلك بإعدام شرطه وانتفاء موضوعه ، وهذا يعني أيضا استيفاء الملاك من الأمر بالمهمّ برفع موضوعه.
والنتيجة : أنّ المكلّف يكون ممتثلا لكلا الأمرين بفعل الأهمّ ، أحدهما بإيجاده والآخر بإعدامه ورفع موضوعه (١).
__________________
(١) ويمكننا أن نضيف وجها آخر وهو ما أفاده الميرزا ، وحاصله أن يقال : إنّ مقتضى الأمر بالأهمّ هو الإتيان بمتعلّقه وامتثاله ، فهو يحرّك نحو الأهم وفعله ، ويمنع عن هدمه ، ومقتضى الأمر بالمهمّ كذلك ، فهو يحرّك نحو متعلّق نفسه ويمنع عن هدمه. فالأمر بالإزالة يحرّك نحو الإزالة ويمنع عن إعدامها وهدمها ، والأمر بالصلاة يحرّك نحو الصلاة ويمنع عن هدمها. إذا فالمقتضي في كلّ منهما مغاير ومباين للآخر ، فلا أحدهما يمنع عن الآخر ولا يحرّك نحو عدم الآخر في مقام الامتثال.