وبهذا يظهر أنّ الأمرين بالضدّين بنحو الترتّب ممكن وليس مستحيلا ؛ لأنّه لا تنافي ولا تضادّ بينهما لا في عالم الملاكات والإرادة والمبادئ ، ولا في عالم الجعل والتكليف ، ولا في عالم الامتثال.
وهكذا نعرف أنّ العقل يحكم بأنّ كلّ وجوب مشروط ـ إضافة إلى القدرة التكوينيّة ـ بعدم الابتلاء بالتكليف بالضدّ الآخر ، بمعنى عدم الاشتغال بامتثاله ، ولكن لا أيّ تكليف آخر ، بل التكليف الذي لا يقلّ في ملاكه أهمّيّة عن ذلك الوجوب ، سواء ساواه أو كان أهمّ منه.
وأمّا إذا كان التكليف الآخر أقلّ أهميّة من ناحية الملاك فلا يكون الاشتغال بامتثاله مبرّرا شرعا لرفع اليد عن الوجوب الأهمّ ، بل يكون الوجوب الأهمّ مطلقا من هذه الناحية كما تفرضه أهمّيّته.
ومن هنا نصل إلى صيغة عامّة للتقييد يفرضها العقل على كلّ تكليف ، وهي تقييده بعدم الاشتغال بامتثال واجب آخر لا يقلّ عنه أهمّيّة.
وأمّا النتيجة فهي : أنّ العقل يقيّد التكليف بالقدرة ، بمعنى أنّه يشترط في كلّ تكليف القدرة تكوينيّا على متعلّقه وهذا ما تقدّم سابقا ، ويشترط أيضا ألاّ يكون المكلّف مبتليا بالاشتغال بالضدّ الآخر ، بحيث لا يتمكّن المكلّف من الجمع بينهما في مقام الامتثال لعدم قدرته على الجمع ، وهذا ما أثبتناه هنا من خلال النقاط الثلاث المتقدّمة.
ولكن لا بدّ أن نعرف أي نوع من التكليف هو الذي يكون مأخوذا عدم الاشتغال به قيدا في التكليف الآخر؟
والجواب : أنّ التكليف المأخوذ عدم الاشتغال به قيدا في التكليف هو التكليف الذي لا يقلّ أهمّيّة عن التكليف الآخر ، فلا بدّ أن يكون إمّا مساويا أو أهمّ من التكليف الآخر ، وليس مطلق الاشتغال بالتكليف يكون مانعا عن امتثال التكليف الآخر ، فإنّه إذا كان التكليف الذي يشتغل به مساويا أو أهمّ فإنّه يمنع من التكليف الآخر ، حيث يكون مقيّدا بعدم الاشتغال بالتكليف المساوي أو الأهمّ ، فلا تكليف فعلا به.
وأمّا إذا كان يشتغل بتكليف يقلّ في الأهمّيّة عن التكليف الآخر ، فهنا لا يكون مثل هذا الاشتغال مانعا عن التكليف بالأهمّ ؛ لأنّ قيده وهو عدم الاشتغال بالضدّ