بينما وجوب الضدّ الآخر الأقلّ أهمّيّة يكون مشروطا بعدم الاشتغال بالأهم ؛ لأنّ الشرطيّة متحقّقة هنا ؛ لأنّها تكون في كلّ تكليف يقلّ أهمّيّة أو يساوي التكليف الآخر.
فوجوب الصلاة مشروط بعدم الاشتغال بالإنقاذ ، بمعنى أنّ المكلّف لو عصى وجوب الإنقاذ لصار وجوب الصلاة فعليّا عليه ؛ لتحقّق شرطه وموضوعه. وأمّا إذا اشتغل بالأهمّ فلا فعليّة لوجوبه ؛ لعدم تحقّق موضوعه إذ المفروض انتفاء شرطه.
وهذا ما يسمّى بالترتّب من جانب واحد ؛ بمعنى أنّ الأقلّ أهمّيّة هو المشروط فقط دون الأهمّ فإنّه مطلق.
وبهذا ينتهي البحث عن أصل فكرة الترتّب ، وقد ظهر أنّها ممكنة عقلا ، وقد بيّنا شرحها مختصرا.
ويترتّب على ما ذكرناه من كون القدرة التكوينيّة بالمعنى الأعمّ شرطا عامّا في التكليف بحكم العقل عدّة ثمرات مهمّة :
منها : أنّه كلّما وقع التضادّ بين واجبين بسبب عجز المكلّف عن الجمع بينهما كالصلاة والإزالة ـ وتسمّى بحالات التزاحم ـ فلا ينشأ من ذلك تعارض بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الإزالة ؛ لأنّ الدليل مفاده جعل الحكم على موضوعه الكلّي وضمن قيوده المقدّرة الوجود ـ كما مرّ بنا في الحلقة السابقة (١) ـ ومن جملة تلك القيود القدرة التكوينيّة بالمعنى الأعمّ المتقدّم ، ولا يحصل تعارض بين الدليلين إلا في حالة وجود تناف بين الجعلين ، وحيث لا تنافي بين جعل وجوب الصلاة المقيّد بالقدرة التكوينيّة بالمعنى الأعمّ وجعل وجوب الإزالة المقيّد كذلك فلا تعارض بين الدليلين.
ثمرات بحث الترتّب : يترتّب على القول بإمكان الترتّب عدّة ثمرات مهمّة ، بعضها على مستوى البحث النظري الأصولي ، وبعضها على مستوى البحث العملي الفقهي :
__________________
(١) في بحث التعارض ، تحت عنوان : التعارض بين الأدلّة المحرزة.