بينما إذا قلنا بإمكان الترتّب فسوف يكون الواجبان المتضادّان داخلين في باب التزاحم ، وسوف يكون باب التزاحم بابا مستقلا عن باب التعارض ، له أحكامه وقواعده الخاصّة به والمستقلّة عن قواعد أحكام التعارض.
والوجه في ذلك : هو أنّنا إذا قلنا بإمكان الترتّب فسوف يكون وجوب الصلاة مثلا مقيّدا بعدم الاشتغال بالإزالة ، ووجوب الإزالة كذلك ـ فيما لو كانا متساويين ـ أو أحدهما مطلق والآخر مقيّد فيما لو كان أحدهما أهمّ من الآخر.
وعليه ، فإذا كان مشتغلا بالأهمّ أو المساوي سوف يرتفع موضوع الآخر فلا تكليف به فعلا ، فلا تنافي بين الوجوبين والجعلين ؛ لأنّ أحدهما ثابت والآخر مرتفع لعدم تحقّق موضوعه ، فيمكن الجمع بين الدليلين الدالّين على الوجوبين والأخذ بهما معا والقول بحجّيّتهما كذلك ، غايته كون الوجوب في كلّ منهما مقيّدا ومشروطا بالقدرة التكوينيّة بالمعنى الأعمّ بحكم العقل كما تقدّم.
ولا يوجد تعارض بينهما لعدم التنافي بين الجعلين كما ذكرنا ، وإنّما التنافي بينهما بلحاظ عالم الامتثال فقط ، والذي أمكن رفعه على أساس الترتّب ، وما دام لا تنافي بين الجعلين فيهما فلا تنافي بين الدليلين الدالّين على الجعلين أيضا.
فإن قيل : كيف لا يوجد تعارض بين دليلي ( صلّ ) و ( أزل ) مع أنّ الأوّل يقتضي بإطلاقه إيجاب الصلاة سواء أزال أم لا ، والثاني يقتضي بإطلاقه إيجاب الإزالة سواء صلّى أم لا ، ونتيجة ذلك أن يكون الجمع بين الضدّين مطلوبا؟
كان الجواب علي ذلك : أنّ كلاّ من الدليلين لا إطلاق فيه بحدّ ذاته لحالة الاشتغال بضدّ لا يقلّ عنه أهمّيّة ؛ لأنّه مقيّد عقلا بعدم ذلك كما تقدّم ، فإن كان الواجبان المتزاحمان متساويين في الأهمّيّة فلا إطلاق في كلّ منهما لحالة الاشتغال بالآخر ، وإن كان أحدهما أهمّ فلا إطلاق في غير الأهمّ لذلك. وعلى كلّ حال فلا يوجد إطلاقان كما ذكر ليقع التعارض بينهما ، وهذا ما يقال : من أنّ باب التزاحم مغاير لباب التعارض ولا يدخل ضمنه ولا تطبّق عليه قواعده.
قد يشكل على ما ذكر من أنّ باب التزاحم مستقلّ في نفسه ولا يدخل في باب التعارض حتّى على القول بإمكان الترتّب بالإشكال التالي : أنّ الواجبين المتضادّين يوجد تعارض بين دليليهما ؛ وذلك لأنّ مثل دليل وجوب الصلاة ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ، )