هذا بنحو مختصر وسوف يأتي التعرّض للمطلب مفصّلا ، وكان الأنسب تأجيل هذا البحث ولو بنحو الإشارة إلى محلّه.
ومنها : أنّ القانون الذي تعالج به حالات التزاحم هو تقديم الأهمّ ملاكا على غيره ؛ لأنّ الاشتغال بالأهمّ ينفي موضوع المهمّ دون العكس ، هذا إذا كان هناك أهمّ ، وأمّا مع التساوي فالمكلّف مخيّر عقلا ؛ لأنّ الاشتغال بكلّ واحد من المتزاحمين ينفي موضوع الآخر. وإذا ترك المكلّف الواجبين المتزاحمين معا استحقّ عقابين لفعليّة كلا الوجوبين في هذه الحالة.
الثمرة الثانية : التي تترتّب على القول بإمكان الترتّب ، هي أنّ التزاحم بعد أن يصير بابا مستقلاّ عن باب التعارض سوف تكون له أحكامه وقواعده الخاصّة به ، وهي :
أوّلا : تقديم الأهمّ ملاكا على غيره فيما إذا كان أحد المتزاحمين أهمّ من الآخر ، وذلك وفقا لما تقدّم سابقا من أنّه إذا كان أحد الضدّين أهمّ فسوف يكون مطلقا وفعليّا في جميع الحالات ، ويكون الضدّ الآخر المقابل له هو المقيّد فقط ؛ لأنّ الشرط غير متوفّر بالنسبة للأهمّ ؛ لأنّه كان عبارة عن عدم الاشتغال بواجب لا يقلّ عنه أهمّيّة ، والمفروض أنّ الضدّ الآخر يقلّ أهمّيّة من الأهمّ فالاشتغال به لا يرفع موضوع الأهمّ ، بخلاف الاشتغال بالأهم فإنّه يرفع موضوع المهمّ أو الأقلّ أهمّيّة.
وأمّا كيف نعرف الواجب الأهمّ من غيره فهذا ما سوف يأتي الكلام عنه مفصّلا في باب التزاحم.
وثانيا : إذا كان الضدّان متساويين في الأهمّيّة فيكون كلّ واحد منهما مشروطا بعدم الاشتغال من الآخر ؛ لأنّ الترتّب يكون من الجانبين ، وهذا يعني أنّ الاشتغال بأحدهما يرفع موضوع الآخر ، ولذلك يكون المكلّف مخيّرا بينهما ؛ إذ لا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر لكونه من دون مرجّح ، ولا يمكن تركهما معا ؛ لكون الترك معصية لكلّ منهما ، ولا يمكن الأخذ بهما معا لعجز المكلّف وعدم قدرته فيتعيّن التخيير.
وثالثا : أنّ المكلّف لو فرض أنّه ترك كلا الواجبين المتزاحمين لكان مستحقّا لعقابين ؛ وذلك لأنّه سوف يكون كلا الواجبين فعليّين ، فإنّه إن كان أحدهما أهمّ ففعليّته مطلقة ، سواء اشتغل بالآخر أم لا ، وإن كانا متساويين ففعليّة كلّ منهما