مشروطة بترك الآخر ، والمفروض هنا أنّه تركه ، فيكون المكلّف قد ترك تكليفين فعليّين فيستحقّ عقوبتين ؛ لجمعه بين المعصيتين لا لكون المطلوب منه الجمع بين الطلبين فإنّه مستحيل كما تقدّم سابقا (١).
ومنها : أنّ تقديم أحد الواجبين في حالات التزاحم بقانون الأهمّيّة لا يعني سقوط الواجب الآخر رأسا ، كما هي الحالة في تقديم أحد المتعارضين على الآخر ، بل يبقى الآخر واجبا وجوبا منوطا بعدم الاشتغال بالأهمّ ، وهذا ما يسمّى بالوجوب الترتّبي ، ولا يحتاج إثبات هذا الوجوب الترتّبي إلى دليل خاصّ ، بل يكفيه نفس الدليل العامّ ؛ لأنّ مفاده ـ كما عرفنا ـ وجوب متعلّقه مشروطا بعدم الاشتغال بواجب لا يقلّ عنه أهمّيّة ، والوجوب الترتّبي هو تعبير آخر عن ذلك بعد افتراض أهمّيّة المزاحم الآخر.
الثمرة الثالثة : أنّه في باب التعارض إذا قدّم أحد الدليلين المتعارضين على الآخر من جهة وجود بعض المرجّحات فيه ـ إن من ناحية السند أو من ناحية الدلالة ـ كان الدليل الآخر ساقطا عن الحجّيّة رأسا ، ولا يمكن التعبّد والأخذ به مطلقا سواء اشتغل بالدليل الراجح أم لا ، فإنّ عصيانه وعدمه لا يؤثّر في الدليل المرجوح شيئا.
بينما في باب التزاحم إذا قدّم أحد الواجبين على الآخر كتقديم الأهمّ على الأقلّ أهمّيّة مثلا ، لا يعني أنّ الدليل الأقلّ أهمّيّة قد سقط عن الحجّيّة رأسا ، بحيث لم يعد ممكنا الأخذ به مطلقا ، بل يبقى على الحجّيّة المشروطة بمعنى أنّ وجوبه يبقى وجوبا مشروطا بعدم الاشتغال بالواجب الآخر الأهمّ ، كما هو مقتضى الترتّب ، ويسمّى هذا الوجوب بالوجوب الترتّبي ، ولكنّه لا يصبح وجوبا فعليّا إلا إذا ترك الاشتغال بالأهمّ ، فإنّه في حالة تركه للأهمّ يتحقّق موضوعه فيصبح فعليّا.
__________________
(١) وبهذا يجاب عن الإشكال الذي طرحه صاحب ( الكفاية ) من استحالة الترتّب ؛ لاستلزامه تعدّد العقاب حال الترك الكاشف عن تعدّد المطلوب والمأمور به ، فإنّه وإن كان العقاب متعدّدا إلا أنّه لا يكشف عن تعدّد المطلوب والمأمور به ، فيمكن أن يكون المأمور به شيئا واحدا ولكنّ العقاب متعدّد كالواجب الكفائي مثلا حال الترك ، فإنّه شيء واحد ولكنّ العقاب على الجميع الذين كانوا حاضرين وقادرين على العمل. وهنا كذلك فإنّ المطلوب أحد المتزاحمين ـ أي كلاهما مشروط بترك الآخر ـ فهما شيء واحد ، ولكنّه لو تركهما استحقّ عقابين.