يتكفّل الرفع لا الوضع ، وخلافا لذلك ما إذا أخذنا بالاحتمال الثاني إذ لا محذور حينئذ في تطبيق الحديث على الترك المضطرّ إليه ؛ لأنّ المرفوع ثبوته التشريعي فيما إذا كان موضوعا أو متعلّقا لحكم ، ورفع هذا النحو من ثبوته ليس عبارة عن وضع الفعل ، إذ ليس معناه إلا عدم كونه موضوعا أو متعلّقا للحكم ، وهذا لا يعني جعل الفعل موضوعا كما هو واضح.
الثمرة الثانية : تظهر بين الاحتمالين الثالث والثاني فيما إذا اضطرّ إلى الترك كما إذا اضطرّ لترك الصوم مثلا.
فعلى الاحتمال الثالث حيث إنّ الموجود الواقع من المكلّف منزّل منزلة العدم فهذا يختصّ بما إذا صدر منه فعل عن خطأ أو جهل أو نسيان أو إكراه أو اضطرار ، فيكون هذا الفعل الواقع مرفوعا أي أنّه كالمعدوم وبالتالي لا تترتّب عليه الآثار ، وأمّا إذا اضطرّ أو أكره على ترك الصوم فلم يصم ، فهنا لا يمكن الرفع بمعنى التنزيل منزلة العدم ؛ وذلك لأنّ عدم الصوم متحقّق منه فعلا فلا معنى لتنزيله منزلة العدم ، إذ هو لغو وتحصيل للحاصل ، مضافا إلى أنّ تنزيل الترك منزلة العدم يعني الوجود ؛ لأنّ عدم العدم هو الوجود فيكون المفاد أنّ من ترك الصوم صائم تعبّدا ، أي أنّ الصوم واقع منه ومتحقّق فتترتّب الآثار الشرعيّة على الصوم من حرمة الإفطار ووجوب الكفّارة عن الإفطار العمدي ، وهذا يعني وضع الأحكام لا رفعها ، وهذا مخالف لحديث الرفع المتكفّل لرفع الآثار والأحكام لا وضعها (١).
بينما على الاحتمال الثاني يمكننا تطبيق حديث الرفع على وقوع الفعل اضطرارا أو إكراها وجهلا ، وعلى ترك الفعل كذلك ؛ وذلك لأنّ مفاد حديث الرفع على هذا الاحتمال أنّ كلّ موضوع أو متعلّق للحكم كان مضطرّا لفعله أو تركه فهو مرفوع تشريعا أي أنّه شرعا ليس موضوعا أو متعلّقا لشيء من الآثار والأحكام الشرعيّة فترك الصوم اضطرارا مثلا ليس موضوعا أو متعلّقا شرعا للحرمة أو لترتّب الآثار على ترك الصوم العمدي كالكفّارة مثلا.
__________________
(١) قد يناقش في ذلك بأنّ التنزيل هنا صحيح أيضا بلحاظ أنّ الشارع نزّل تارك الصوم إكراها أو اضطرارا منزلة فاعله ، فلا شيء عليه من المؤاخذة والعقوبة والكفّارة ؛ لأنّ تركه هذا نزل منزلة العدم فكأنّه لم يترك الصوم بل قام به.