والإسناد والذي هو عالم اللحاظ الذهني ، وهذا قبل مرحلة الصدق الخارجي ، حيث إنّ الواضع أو المستعمل أو المسند يتصوّر الصورة الذهنيّة للشيء ثمّ يضع ويستعمل ويسند اللفظ إليه. فالاستعمال والإسناد ينصبّان على عالم الصور الذهنيّة أي المفاهيم لا المصاديق.
وحينئذ نقول في بيان الاعتراض : إنّ نسبة الشيء إلى المعنى الموضوع له أي المعنى الحقيقي تختلف وتغاير ذاتا نسبة الشيء إلى المعنى الآخر الذي لم يوضع له أي المعنى المجازي.
ووجه المغايرة بينهما واضح ؛ لأنّ المعنى الحقيقي هو المدلول عليه بالدلالة الوضعيّة التصوّريّة من نفس اللفظ ، بينما المعنى المجازي هو المعنى المدلول عليه تصوّرا على أساس القرينة الموجودة مع اللفظ لا اللفظ وحده.
وعليه فإن كان مفاد الهيئة في قوله « رفع ما يعلمون » إفادة إحدى النسبتين بحيث يكون مستعملا في المعنى الحقيقي فقط أو المعنى المجازي فقط ، فيكون المستعمل والمسند قد لاحظ إحدى النسبتين فقط ، واستعمل الهيئة فيها ، وحينئذ يتحدّد مراده الجدّي وفقا لما استعمل الكلام فيه.
وإن كان مفاد الهيئة مستعملا لإفادة كلتا النسبتين والإسنادين الحقيقي والمجازي فهو غير معقول في نفسه ؛ لأنّه يتوقّف على تصوير الجامع بين النسبتين ، وقد تقدّم في بحث المعاني الحرفيّة أنّ الجامع الحقيقي الذاتي والعرضي لا يمكن تصوّره في عالم النسب ؛ لأنّ كلّ نسبة متقوّمة ذاتا بطرفيها ويستحيل انفكاكها عنهما ؛ لأنّ ما به الامتياز هو نفس ما به الاشتراك ، ولذلك لا يمكن استعمال الهيئة في إفادة النسبتين معا ، فالمحذور المذكور في الاعتراض على حاله.
والصحيح أن يقال : إنّ إسناد الرفع مجازي حتّى إلى التكليف ؛ لأنّ رفعه ظاهري عنائي وليس واقعيّا.
والصحيح في الجواب عن الاعتراض أن يقال : إنّ الهيئة في قوله : « رفع ما لا يعلمون » مستعملة في الإسناد المجازي لا الحقيقي ؛ وذلك لما تقدّم من أنّ الرفع الواقعي للحكم فيه المحذور المتقدّم من مخالفة الظاهر ، حيث إنّ ظاهر الحديث إسناد الرفع إلى نفس المشكوك.