وهناك روايات أخرى استدلّ بها للبراءة ، تقدّم الكلام عن جملة منها في الحلقة السابقة (١) وعن قصور دلالتها أو عدم شمولها للشبهات الحكميّة ، فلاحظ.
وهناك روايات أخرى استدلّ بها ، لكنّها إمّا قاصرة من حيث الدلالة عن إفادة البراءة ، وإمّا قاصرة عن الشمول للشبهات الحكميّة ، وقد تقدّم جملة منها في الحلقة الثانية نذكر منها ما يلي :
١ ـ حديث الحجب ، وهو تامّ الدلالة على البراءة إلا أنّه يختصّ بالشبهات الحكميّة ؛ لأنّ قوله « ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم » مختصّ بما يكون وضعه ورفعه بيد الشارع بما هو شارع أي التكليف.
٢ ـ حديث الحلّيّة ، وهو ليس دالاّ على البراءة أصلا ؛ لأنّ مفاد قوله « كلّ شيء حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه » إفادة مطلب وقاعدة شرعيّة فقهيّة ، وهي أصالة الحلّيّة في الأشياء.
كما يمكن التعويض عن البراءة بالاستصحاب ، وذلك بإجراء استصحاب عدم جعل التكليف أو استصحاب عدم فعليّة التكليف المجعول ، وزمان الحالة السابقة بلحاظ الاستصحاب الأوّل بداية الشريعة ، وبلحاظ الاستصحاب الثاني زمان ما قبل البلوغ مثلا ، بل قد يكون زمان ما بعد البلوغ أيضا ، كما إذا كان المشكوك تكليفا مشروطا وشكّ في تحقّق الشرط بعد البلوغ فبالإمكان استصحاب عدمه الثابت قبل ذلك.
قد يقال بأنّ الاستصحاب يقوم مقام البراءة في النتيجة العمليّة أي إثبات التأمين وإطلاق العنان وإيجاد المعارض لأدلّة الاحتياط لو تمّت ، وهذا الاستصحاب له ثلاث صور :
الأولى : أن نستصحب عدم جعل التكليف بلحاظ بداية الشريعة ؛ وذلك بأن يلتفت المكلّف إلى الحكم المشكوك في بداية التشريع فيقول : إنّ هذا الحكم المشكوك لم يجعل في بداية التشريع أو ما قبل التشريع ؛ لأنّ الأحكام نزلت تدريجيّا كما هو واضح ، فالحالة السابقة المتيقّنة هي عدم جعل التكليف ، والآن يشكّ في جعله فيستصحب عدمه ، وبذلك يثبت التأمين.
__________________
(١) في نفس البحث وتحت نفس العنوان.