وذلك لأنّه إذا اتّفق وجعل الدليل خاليا من الشكّ كان أمارة ، وأمّا إذا كان الشكّ مأخوذا في الدليل كان أصلا ، وهذا قد يتّفق في بعض الحجج والأمارات كخبر الثقة حيث إنّ بعض أدلّته كآية : ( النبأ ) و ( النفر ) لم يؤخذ في لسانها الشكّ فيكون الخبر أمارة ، بينما بعض أدلّته الأخرى كآية : ( السؤال ) أخذ في لسانها الشكّ فيكون من ناحيتها أصلا ، فهل يلتزم بكونه أصلا مع ذلك أو كونه أصلا وأمارة في آن واحد؟!
الرابع : ما حقّقناه في الجزء السابق (١) من أنّ الأصل العملي حكم ظاهري لوحظت فيه أهمّيّة المحتمل عند التزاحم بين الملاكات الواقعيّة في مقام الحفظ التشريعي عند الاختلاط والاشتباه ، بينما لوحظت في أدلّة الحجّيّة الأهمّيّة الناشئة من قوّة الاحتمال محضا.
وقد عرفنا سابقا أنّ هذه النكتة تفي بتفسير ما تتميّز به الأمارة على الأصل من حجّيّة مثبتاتها.
الاتّجاه الرابع : ما هو الصحيح والمختار من أنّ الشارع عند ما يجعل الحكم الظاهري في مقام الشكّ والاشتباه بين التكاليف لدى المكلّف ، تارة يجعله بلحاظ أهمّيّة المحتمل ، وأخرى بلحاظ أهمّيّة الاحتمال ، وثالثة بلحاظ الاحتمال والمحتمل معا.
فإذا لوحظت في الحكم الظاهري أهمّيّة المحتمل أي نوعيّة الحكم المنكشف في هذا الحكم كان أصلا عمليّا ، فمثلا البراءة والاحتياط لوحظت فيهما قوّة المحتمل من نفي التكليف والمعذّريّة في البراءة ، ومن أهمّيّة الإلزام في الاحتياط وذلك عند الاختلاط والاشتباه والتزاحم الحفظي بين الملاكات الواقعيّة وعدم تمييز المكلّف لها.
وإذا لوحظت أهمّيّة الاحتمال أي قوّة الكاشف كان الحكم الظاهري أمارة ، كخبر الثقة مثلا فإنّ الملاحظ فيه قوّة الكاشفيّة في الخبر الذي يأتي به الثقة بقطع النظر عن نوعيّة المحتمل والحكم الذي يحكي عنه.
وإذا لوحظت قوّة الاحتمال والمحتمل معا كان أصلا تنزيليّا أو أصلا محرزا ، كما هو الحال في الاستصحاب حيث لوحظ فيه قوّة الكاشفيّة الناشئة من غلبة أنّ ما يوجد يبقى ، ولوحظ فيه قوّة المحتمل أيضا من توفّر أركان الاستصحاب في القضيّة المستصحبة.
__________________
(١) في بحث الحكم الواقعي والظاهري من أبحاث التمهيد تحت عنوان : الأمارات والأصول.