إكرامه أو بعصيانه ، وهذا اللازم واضح البطلان ؛ لأنّه على الأوّل يكون مفاده أكرم العالم إذا أكرمت العالم ، وهو لغو وتحصيل للحاصل ، وعلى الثاني يكون مفاده أكرم العالم إذا عصيت إكرامه وهو من أخذ عدم الشيء في موضوع نفسه ، أو تعليق أحد الضدّين على عدم الضدّ الآخر ، وهو محال لاستلزامه الدور.
وأمّا إذا قيل بأنّ الامتثال من مسقطات التكليف فالشكّ فيه شكّ في التكليف لا محالة.
ومن هنا قد يتوهّم تحقّق موضوع البراءة وإطلاق أدلّتها لمثل ذلك ، ولا بدّ للتخلّص من ذلك إمّا من دعوى انصراف أدلّة البراءة إلى الشكّ الناشئ من غير ناحية الامتثال ، أو التمسّك بأصل موضوعيّ حاكم وهو الاستصحاب عدم الامتثال.
وأمّا علي المسلك القائل بأنّ الامتثال من مسقطات التكليف فيكون الشكّ في الامتثال شكّا في التكليف أيضا ؛ لأنّه إذا تحقّق الامتثال خارجا بهذا الفعل الذي أتى به فقد سقط التكليف وإن لم يتحقّق به فالتكليف باق على حاله ، فيعود الشكّ إلى أنّه هل لا يزال التكليف فعليّا بحقّه أم لا؟
وهنا قد يقال : إنّه ما دام الشكّ في الامتثال يعود إلى الشكّ في التكليف فموضوع البراءة متحقّق إذا فتجري لنفي التكليف في الحالة المذكورة.
إلا أنّ هذا القول مجرّد توهّم لا أساس له ، ويمكن التخلّص منه بجوابين :
الأوّل : أنّ أدلّة البراءة لا إطلاق لها للحالة المذكورة ، بمعنى أنّ الشكّ الذي هو موضوع البراءة لا إطلاق له للشكّ في التكليف الناشئ من ناحية الامتثال ، وإنّما يختصّ بالشكّ في التكليف من غير هذه الناحية ، فيرفع اليد عن إطلاق أدلّة البراءة لهذه الحالة.
والوجه في عدم الإطلاق هو أنّ مثل قوله : « رفع ما لا يعلمون » ينظر إلى أنّه مع عدم العلم بأصل التكليف أو بفعليّة التكليف تجري البراءة وفي غير هذين الموردين لا تجري.
وعليه ، فإذا علم المكلّف بالتكليف وعلم بفعليّة التكليف بأن تحقّقت تمام الشروط والقيود المأخوذة في موضوعه ، فهو عالم بالتكليف فلا تجري البراءة.
ولذلك إذا شكّ في أنّ ما فعله في الخارج هل يحقّق الامتثال المسقط للتكليف أو