الفراغ عن كون الحكم في مرحلة الجعل معلوما ، إذ لو لم يكن الشكّ في أحد الثلاثة فهو إذا شكّ في الحكم بلحاظ عالم الجعل ، وهو من الشبهة الحكميّة لا محالة.
ولتوضيح صور الشكّ نقول :
فإن كان الشكّ في صدور المتعلّق مع إحراز القيود والموضوع الخارجي فهذا شكّ في الامتثال بلا إشكال ، وتجري أصالة الاشتغال ؛ لأنّ التكليف معلوم ولا شكّ فيه لبداهة أنّ فعليّة التكليف غير منوطة بوجود متعلّقه خارجا ، وإنّما الشكّ في الخروج عن عهدته ، فلا مجال للبراءة.
الصورة الأولى : أن يكون كلّ من الحكم والقيود والموضوع محرزا ، وإنّما الشكّ في صدور المتعلّق.
كما إذا قيل : ( أكرم العالم إذا جاء العيد ) فهذا الحكم معلوم في مرحلة الجعل ، والمفروض أنّ العيد قد جاء وحلّ برؤية الهلال فقيد الوجوب وهو مجيء العيد محرز أيضا ، وهذا يعني أنّ الحكم صار فعليّا بحقّ المكلّف لفعليّة قيود الحكم ، والمفروض أيضا أنّ العالم موجود في الخارج والمكلّف أحرزه كذلك.
يبقى المتعلّق وهو ( الإكرام ) فإنّه يشكّ في صدوره وتحقّقه ؛ وذلك بسبب الشكّ في أنّ ما أتى به في الخارج هل ينطبق عليه عنوان الإكرام أم لا؟
فلو فرض أنّه ألقى السلام على هذا العالم أو قبّل يديه يوم العيد فشكّ في أنّ هذا الفعل هل هو مصداق للمأمور به والمتعلّق للوجوب أو لا؟ فالشك هنا في صدور المتعلّق.
وحينئذ نقول : لمّا كان الحكم معلوما وفعليّا لفعليّة القيود فلا يمكن الشكّ فيه لا بلحاظ عالم الجعل ولا بلحاظ الفعليّة أي عالم المجعول ؛ لأنّ فعليّته منوطة بتحقّق قيوده في الخارج ، والمفروض تحقّقها.
وإنّما يشكّ فيه بلحاظ الشكّ في سعة دائرة الامتثال وعدم سعتها ، أي أنّ الإكرام الذي هو المتعلّق للوجوب والمأمور به هل يكفي فيه هذا الفعل الذي صدر منه خارجا أو لا يكفي فيه ذلك؟ فهو شكّ في براءة الذمّة وخروجها عن العهدة وعدم ذلك ، وفي هذه الحالة تجري أصالة الاشتغال ؛ لأنّه يعلم باشتغال ذمّته يقينا ويشكّ في براءتها كذلك ، فهنا يقال : الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.