وفي المثال الثاني والثالث يقال كذلك ؛ لأنّ كلّ فرد من أفراد العالم أو من أفراد الفقراء له وجوب مستقلّ عن الفرد الآخر ، فإذا شكّ في فرد أنّه عالم أو فقير فهو شكّ في وجوب زائد فتجري عنه البراءة.
والحاصل : أنّ الشكّ في الفرد يستبطن الشكّ في التكليف ؛ لأنّه على تقدير كونه فردا ومصداقا للموضوع فهو حكم آخر مستقلّ عن غيره من الأفراد ، وهذا يتحقّق في الإطلاق الشمولي والعموم الاستغراقي.
وإن كان إطلاق التكليف بالنسبة إليه بدليّا لم تجر البراءة ، كما إذا ورد ( أكرم فقيرا ) وشكّ في أنّ زيدا فقير ، فلا يجوز الاكتفاء بإكرامه ؛ لأنّ الشكّ المذكور لا يستبطن الشكّ في تكليف زائد ، بل في سعة دائرة البدائل الممكن امتثال التكليف المعلوم ضمنها.
النحو الثاني : أن يكون إطلاق التكليف بالنسبة للموضوع بدليّا.
وفي هذه الحالة يكون لدينا حكم واحد فقط ، ولا ينحلّ إلى الأفراد والمصاديق ؛ لأنّ المطلوب هنا إيجاد الموضوع وهو يتحقّق بفرد من أفراده على سبيل البدل ، بمعنى أنّ المكلّف مخيّر في تطبيق الحكم على أي فرد أراده.
وحينئذ إذا شكّ في أنّ هذا فرد ومصداق للموضوع أو لا ، فلا يمكن الاكتفاء بامتثال المأمور به فيه ؛ لأنّه على تقدير ثبوته فهو ليس وجوبا زائدا ، وإنّما هو على تقدير ثبوت مصداقيّته للموضوع يكون محقّقا للامتثال ، فالشكّ يعود إلى أنّ الامتثال متحقّق أو لا ، فهو شكّ في المكلّف به ؛ لأنّ مرجعه إلى الشكّ في سعة دائرة الامتثال وكونها شاملة لهذا الفرد المشكوك وعدم سعتها كذلك.
ومثاله ما إذا قيل : ( أكرم فقيرا ) أو ( اغتسل بالماء ) ، فإنّ الحكم ثابت لموضوعه هنا بنحو الإطلاق البدلي ، أي أنّ المكلّف يجب عليه إكرام فقير واحد على سبيل البدل ، أو يجب عليه الاغتسال بالماء على سبيل البدل والتخيير بين هذا الفرد أو ذاك ، فهناك امتثال واحد وهو الإتيان بالغسل بالماء أو إكرام فقير واحد ، وأمّا سائر الأفراد فهي ليست واجبة ، بل هي محقّقة للامتثال فقط على تقدير كونها مصداقا للموضوع.
وعليه ، فإذا شكّ في أنّ زيدا من الناس فقير أو لا يكون الشكّ في الحقيقة إلى أنّه هل