وبهذا يمكن الاقتصار على الميزان الأوّل فقط ، كما يظهر من كلمات المحقّق النائيني قدّس الله روحه (١).
الإشكال على ما تقدّم : ثمّ إنّ المحقّق النائيني اقتصر على الميزان الأوّل فقط ، وهو أن يكون الشكّ في قيود التكليف ، وجعلها تعمّ كلاّ من القيود المأخوذة شروطا كالبلوغ والعقل أو الاستطاعة والزوال ، والقيود المأخوذة في متعلّق الحكم كالشرب في قولنا : ( لا تشرب الخمر ) ، والقيود المأخوذة في متعلّق المتعلّق أي الموضوع كالخمر في المثال المذكور.
أما الشكّ في قيود التكليف بالنحو الأوّل أي الشروط فهذا من الواضح كونه شكّا في فعليّة التكليف فتجري البراءة ؛ لأنّ الشكّ فيها شكّ في التكليف.
وأما الشكّ في القيود بالنحو الثاني أي المتعلّق فهو شكّ في فعليّة التكليف أيضا ، فتجري فيه البراءة ؛ لأنّه إذا شكّ في فعل ما أنّه شرب للخمر أو لا فهو شكّ في فعليّة الحرمة وعدمها ، فيكون شكّا في التكليف.
وأمّا الشكّ في القيود بالنحو الثالث أي الموضوع ، فمرجعه أيضا إلى الشكّ في التكليف ؛ لأنّ كون هذا المائع خمرا في الخارج قيدا في فعليّة الحرمة ؛ لأنّ الحرمة مقيّدة بالشرب لما هو خمر في الخارج ، فمع الشكّ في خمريّة المائع يشكّ في فعليّة الحرمة وعدمها فتجري البراءة.
وهكذا ظهر أنّه يمكن أن يقال : إنّ الضابط لجريان البراءة هو أن يكون الشكّ في قيود التكليف بالنحو المذكور ، ولا نحتاج إلى الميزان الثاني.
كان الجواب : أنّه ليس من الضروري دائما أن يكون متعلّق المتعلّق مأخوذا قيدا في التكليف سواء كان إيجابا أو تحريما ، وإنّما قد تتّفق ضرورة ذلك فيما إذا كان أمرا غير اختياري كالقبلة مثلا.
وعليه فإذا افترضنا أنّ حرمة شرب الخمر لم يؤخذ وجود الخمر خارجا قيدا فيها على نحو كانت الحرمة فعليّة حتّى قبل وجود الخمر خارجا صحّ مع ذلك إجراء البراءة عند الشكّ في الموضوع الخارجي ؛ لأنّ إطلاق التكليف بالنسبة إلى المشكوك شمولي.
__________________
(١) فوائد الأصول ٣ : ٣٩١ ـ ٣٩٤.