والفرق بين المتعلّقين : أنّ الأوّل لا يعقل انفكاكه عن العلم حتّى في موارد الخطأ بخلاف الثاني.
وهذا المسلك يمكن الاعتراض عليه بغير ما ذكره صاحب ( الكفاية ) وأجاب عنه ، فنقول : إنّ المشكلة التي ذكرها صاحب ( الكفاية ) من أنّ الوجوب صفة والفرد المردّد موصوف ، فلا بدّ أن يكون الموصوف متعيّنا ومتشخّصا لكي تتعلّق به الصفة ، ليست هي المشكلة بالدقّة ؛ لأنّ هذا الاعتراض يمكن الجواب عنه بما ذكره صاحب ( الكفاية ) من أنّ الوجوب صفة اعتباريّة لا مانع من تعلّقها بالفرد المردّد.
وإنّما المشكلة في أنّ الفرد المردّد لا ثبوت له لكي يتعلّق به ما هو صفة اعتباريّة ، أو ما هو صفة حقيقيّة ذات الإضافة كالعلم الإجمالي.
فمحلّ الكلام ينبغي أن ينصبّ حول هذه النقطة وهي : أنّ الفرد المردّد هل له ثبوت أو لا؟ فإن كان له ثبوت فكما يمكن أن يتّصف بصفة اعتباريّة يمكن أن يتّصف بصفة حقيقيّة ، وإن لم يكن له ثبوت فكما يستحيل اتّصافه بصفة حقيقيّة يستحيل أيضا اتّصافه بصفة اعتباريّة ؛ إذ لا ثبوت له لكي يقبل حمل الصفة عليه سواء الوجوديّة الاعتباريّة أو الحقيقيّة.
وللجواب عن هذا السؤال نذكر مقدّمة حاصلها : أنّ الوجود على قسمين : ذهني وخارجي ، ولكلّ من الوجودين حدّ يميّزه عن غيره.
فمثلا الإنسان العالم الموجود في الخارج والإنسان الجاهل الموجود كذلك ، لكلّ منهما حدّ يميّزه عن الآخر وهو وجود صفة العلم في هذا ، وعدم وجودها في ذاك.
والصورة الذهنيّة للعالم حدّها المميّز لها ثبوت صفة العلم في الذهن بمعنى لحاظ صفة العلم ، بخلاف الصورة الذهنيّة للجاهل فهي لحاظ عدم صفة العلم ، والجامع بين الإنسان العالم والجاهل لا وجود له في الخارج بنحو مستقلّ ، وإنّما هو موجود بحدّ الفرد الخارجي أي ضمن هذا أو ذاك.
إلا أنّ له ثبوتا في الذهن ؛ لوجود الصورة الذهنيّة المتشخّصة في نفسها وذاتها ، وهي صورة الإنسان الذي حدّه الحيوان الناطق الذي يميّزه عن غيره من الصور الذهنيّة ، ولذلك يمكن تعلّق العلم به.