الثاني ؛ لأنّ جريانها في الطرف الأوّل كان الشرط فيه متحقّقا ؛ لأنّه قبل ارتكاب الطرف الثاني.
بينما جريانها في الطرف الثاني لا يكون الشرط فيه متحقّقا ؛ لأنّه لم يكن قبل الأوّل بل بعده ، ولذلك لن تحصل المخالفة القطعيّة العمليّة ، وهذا يفرض فيما إذا ارتكبهما معا فيكون الأوّل جائزا والثاني محرّما.
والثاني : أن يكون دليل البراءة مقيّدا بأن يكون جريانها في هذا الطرف بعد ارتكاب الآخر ، فهنا لا تجري في الأوّل بينما تجري في الثاني عكس الصورة السابقة.
أمّا عدم جريانها في الأوّل ؛ لأنّه ارتكبه قبل الثاني لا بعده ، والشرط أن يكون ارتكابه بعد الآخر لا قبله ، وأمّا الثاني فتجري فيه البراءة ؛ لأنّه ارتكبه بعد الأوّل فشرطها فيه متحقّق ، وهذا يكون فيما لو ارتكب كلا الإناءين فيكون الأوّل منهما محرّما دون الثاني ، فلا مخالفة قطعيّة عمليّة.
وحينئذ نقول : إنّه ما دام يمكن رفع اليد عن المحذور وهو الترخيص في المخالفة القطعيّة ممكنا بأحد هذه الوجوه الثلاثة ، فلما ذا يعيّن الوجه الذي ذكره المحقّق العراقي دون هذين الوجهين؟
وليس هذا إلا ترجيحا له من دون مرجّح وهو باطل ، وحيث لا ترجيح لإحدى هذه الحالات على الأخرى يحكم بتعارض الأحوال وتساقطها ، وبالتالي لا يبقى إلا رفع اليد عن أصل جريان البراءة في الطرفين مطلقا.
ويرد عليه : أنّ التقييد إنّما يراد لإلغاء الحالة التي لها حالة معارضة في دليل الأصل ، وإبقاء الحالة التي لا معارض لها من حالات الطرف الآخر ، والحالة التي لا معارض لها كذلك هي حالة ترك الطرف الآخر ، وأمّا حالة كونه قبل الآخر مثلا فجريان الأصل فيها يعارض جريانه في الآخر حالة كونه بعد صاحبه.
وهذا الجواب غير صحيح ؛ لأنّ التقييد الذي ذكره المحقّق العراقي له مرجّح على التقييدين اللذين ذكرهما السيّد الخوئي ، وهذا المرجّح هو أنّ التقييد بترك ارتكاب الآخر لا معارض له ، بينما التقييد بأن يكون قبل الآخر أو بعد الآخر له معارض.
والوجه في ذلك : أنّ دليل البراءة في كلّ طرف له إطلاقات أحواليّة ثلاثة :
١ ـ أنّ دليل البراءة يجري في هذا الطرف سواء ارتكب الطرف الآخر أم لا.