وعليه ، فإذا كان هذا الشرط موجودا كان الترخيص المشروط معقولا في نفسه وإلا فهو محال.
وفي مقامنا إذا قلنا بأنّ البراءة تجري في كلّ من الطرفين بشرط ترك ارتكاب الآخر ، فهذا يعني صدور حكم ظاهري ترخيصي مشروط وليس مطلقا ، فلا بدّ أن يكون هذا الترخيص المشروط محتمل المطابقة للواقع لكي يكون صدوره ممكنا ، والحال أنّ الواقع لا يخلو من أمرين لا ثالث لهما وهما :
إمّا أن يكون الإناء الأوّل طاهرا مطلقا والآخر نجسا مطلقا.
وإمّا أن يكون الأوّل نجسا مطلقا والثاني طاهرا مطلقا.
والوجه في ذلك : أنّنا نعلم بنجاسة أحدهما وطهارة الآخر ، فالنجس نجس مطلقا سواء ارتكبه مع الآخر أو قبله أو بعده ، أم لم يرتكب الآخر أصلا ، والطاهر طاهر مطلقا كذلك.
ولا يوجد لدينا طاهر مشروط ونجس مشروط في الواقع ، وهذا معناه أنّ الترخيص المشروط يحرز مخالفته للواقع ولا يحتمل موافقته أصلا ، فيكون تشريعه ممتنعا.
ويرد عليه : أنّه لا برهان على اشتراط ذلك في الحكم الظاهري ، وإنّما يشترط فيه أمران : أحدهما أن يكون الحكم الواقعي مشكوكا ، والآخر أن يكون الحكم الظاهري صالحا لتنجيزه أو التعذير عنه.
وجوابه : أنّه لا دليل على هذا الشرط في جعل الحكم الظاهري ، وإنّما يشترط في الحكم الظاهري أمران :
الأوّل : أن يكون الحكم الواقعي مشكوكا غير معلوم ، أي أنّ مورد جريان الحكم الظاهري هو الشكّ في الواقع ، وهذا الشرط محقّق في مقامنا ، فإنّنا لا نعلم النجس الواقعي في هذا الطرف أو في ذاك بخصوصيّتهما ، وإنّما نعلم إجمالا بوجود النجس فيهما من دون تعيين ، فيكون كلّ طرف في نفسه موردا للحكم الظاهري ؛ لأنّه مشكوك ولا يعلم حكمه الواقعي من الطهارة أو النجاسة.
الثاني : أن يكون الحكم الظاهري صالحا للتنجيز أو التعذير ، بمعنى أنّ الحكم الظاهري لا بدّ أن يكون إمّا منجّزا وإمّا معذّرا ؛ لأنّ هذا هو مقتضى جعل الحجّيّة له ؛ لأنّه إمّا أن يبرز الترخيص أو الإلزام ، وهذا الشرط محفوظ ؛ لأنّنا إذا قلنا بأنّ البراءة