والوجه في عدم سقوط أصالة الطهارة وعدم دخولها في المعارضة هو أنّ المعارض لأصالة الطهارة أحد أمرين :
١ ـ أن تكون معارضة بأصالة الطهارة في الطرف الآخر ، وهذا فرع جريان أصالة الطهارة في كلا الطرفين.
٢ ـ أن تكون معارضة باستصحاب الطهارة في الطرف الآخر ، وهذا فرع عدم الطوليّة بينهما وإلا لم تدخل في المعارضة ؛ لأنّها إنّما تثبت بعد المعارضة لا قبلها.
وكلا هذين الأمرين منتفيان في المقام وذلك :
أمّا كونها معارضة بأصالة الطهارة في الطرف الآخر فالمفروض في مقامنا أن الطرف الآخر يشكّ في كونه خمرا أو عصيرا ، فهو مشكوك الطهارة والنجاسة ذاتا ، وفي مثل ذلك لا تجري أصالة الطهارة كما هو المفروض هنا.
وأمّا كونها معارضة باستصحاب الطهارة في الطرف الآخر فهذا وإن كان معقولا في نفسه بناء على العرضيّة ، إلا أنّه إنّما يتمّ فيما لو كان دليل الاستصحاب في الطرف الآخر ثابتا في نفسه ، وهذا غير متحقّق في مقامنا ؛ لأنّ دليل الاستصحاب مبتلى بالتعارض الداخلي ؛ لأنّه شامل لكلا طرفي العلم الإجمالي وشموله لهما كذلك يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعيّة المستحيلة.
وهذا معناه أنّه شامل لأحد الطرفين فقط ، وحينئذ فقد يكون شاملا للطرف الذي تجري فيه أصالة الطهارة دون الآخر فلا تعارض ، وقد يكون شاملا للطرف الآخر فيقع التعارض بينهما.
ولكن حيث لا يمكن تشخيص أحد الطرفين وتعيينه ؛ لأنّه ترجيح بلا مرجّح فيتعيّن سقوط دليل الاستصحاب في كلا الطرفين أو على الأقلّ يكون مجملا ، وعلى كلا التقديرين لا يصلح لمعارضة أصالة الطهارة ؛ لأنّه إذا كان ساقطا فمن الواضح عدم معارضته لها ، وإذا كان مجملا في نفسه ولا يعلم الإناء الذي يشمله من الآخر فالدليل المجمل لا يصلح لأن يعارض غيره.
وهكذا تكون أصالة الطهارة جارية في الطرف الواحد دون معارض ، ويأتي الخلاف هنا على القولين الاقتضاء والعلّيّة ، فعلى الأوّل يؤخذ بها بلا إشكال وعلى الثاني لا يؤخذ بها.