لأنّه مشمول لها في نفسه ، ولكن لا يمكن الأخذ بها جميعا بسبب العلم الإجمالي المذكور ، ولا يمكن الأخذ ببعضها دون الآخر ؛ لأنّه ترجيح بلا مرجّح ، فلذلك تتعارض وتتساقط.
فكان دور العلم الإجمالي في الحقيقة دور المنشأ لحصول التعارض الذي يسبّب سقوط الأصول الترخيصيّة ، والذي يعني أنّ كلّ طرف لا مؤمّن شرعي فيه ، والذي يؤدّي إلى أن يكون حكم العقل لمنجّزيّة الاحتمال تامّا ، وعليه فإذا أسندت المنجّزيّة للموافقة القطعيّة للعلم الإجمالي كان ذلك على أساس أنّه المنشأ لثبوتها على أساس هذه السلسلة.
ولا فرق في منجّزيّة العلم الإجمالي بين أن يكون المعلوم تكليفا من نوع واحد ، أو تكليفا من نوعين كما إذا علم بوجوب شيء أو حرمة الآخر.
ثمّ إنّه يوجد صورتان للمعلوم إجمالا :
إحداهما : أن يكون المعلوم إجمالا نوعا واحدا من الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة كالحرمة والوجوب والنجاسة ونحو ذلك ، كما إذا علم بحرمة إحدى هاتين السمكتين ، وكما إذا علم بوجوب الظهر أو الجمعة ، وكما إذا علم بنجاسة أحد الإناءين ، فهنا يكون منجّزا لحرمة المخالفة القطعيّة بسبب العلم بالجامع ، ويكون سببا للموافقة القطعيّة لتعارض الأصول الترخيصيّة وتساقطها.
والأخرى : أن يكون المعلوم إجمالا نوعين من التكليف ، كما إذا علم إجمالا بنجاسة هذا الإناء أو بحرمة هذه السمكة ، فهنا النجاسة والحرمة نوعان مختلفان من الأحكام ، ولكن مع ذلك يكون العلم الإجمالي المذكور منجّزا لحرمة المخالفة القطعيّة ؛ لأنّ جامع الإلزام بينهما معلوم ، ويكون سببا لوجوب الموافقة القطعيّة ؛ لأنّ الأصول الترخيصيّة فيهما متعارضة فيحكم بتساقطهما ، فأصالة الطهارة في الإناء تتعارض مع أصالة الحلّ في السمك ، وبعد سقوطهما يكون احتمال التكليف في كلّ منهما بلا مؤمّن شرعي فيكون منجزا لهما بحكم العقل بناء على مسلك حقّ الطاعة.
كما لا فرق أيضا بين أن يكون المعلوم نفس التكليف أو موضوع التكليف ؛ لأنّ العلم بموضوع التكليف إجمالا يساوق العلم الإجمالي بالتكليف ، ولكن على شرط أن يكون المعلوم بالإجمال تمام الموضوع للتكليف الشرعي.