الركن الثالث : أن يكون كلّ من الطرفين مشمولا في نفسه وبقطع النظر عن التعارض الناشئ من العلم الإجمالي لدليل الأصل المؤمّن ، إذ لو كان أحدهما مثلا غير مشمول لدليل الأصل المؤمّن لسبب آخر لجرى الأصل المؤمّن في الطرف الآخر بدون محذور.
الركن الثالث : أن يكون كلّ من الطرفين أو الأطراف مشمولا للأصل المؤمّن في نفسه وبقطع النظر عن التعارض المسبّب عن العلم الإجمالي ، بمعنى أنّ كلّ طرف يكون موردا لجريان الأصل بأن تكون أركان الأصل فيه تامّة ، أو موضوع الأصل فيه متحقّق ، هذا بحسب نفس الدليل وبقطع النظر عن العلم الإجمالي الذي يسبّب وقوع التعارض في دليل الأصل في الطرفين.
وأمّا إذا لم يكن أحد الطرفين مشمولا للأصل الترخيصي بأن كان مشمولا لأصل منجّز مثلا ، وكان الطرف الآخر مشمولا للأصل الترخيصي ، فهنا لا محذور في جريان الأصل الترخيصي في أحدهما إذ لا معارض له في الآخر.
وهذه الصياغة إنّما تلائم إنكار القول بعلّيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة ، إذ بناء على هذا الإنكار يتوقّف تنجّز وجوب الموافقة على التعارض بين الأصول المؤمّنة.
وصياغة هذا الركن بهذا النحو إنّما يتلاءم مع إنكار القول بالعلّيّة ـ كما هو الصحيح ـ لأنّه على غير هذا المسلك لا يكون العلم الإجمالي مستدعيا لوجوب الموافقة القطعيّة ؛ لأنّه لا ينجّز إلا مقدار الجامع المعلوم ، وهو لا يستدعي إلا الإتيان بأحدهما في نفسه.
وأمّا الإتيان بكلا الطرفين معا فكان بسبب تعارض الأصول الترخيصيّة وتساقطها في كلا الطرفين ، وعليه فلا بدّ أن يكون كلّ منهما مشمولا في نفسه للأصل الترخيصي ليعقل المعارضة مع الطرف الآخر المشمول للأصل الترخيصي في نفسه أيضا.
وأمّا على القول بالعلّيّة كما هو مذهب المحقّق العراقي (١) فلا تصحّ الصياغة المذكورة ؛ لأنّ مجرّد كون الأصل في أحد الطرفين لا معارض له لا يكفي لجريانه ؛
__________________
(١) وقد مضى تحت عنوان : جريان الأصول في بعض الأطراف وعدمه.