والفارق العملي بين الصياغتين يظهر فيما إذا فرضنا العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين ولم تكن حالتهما السابقة معلومة ، ولم يكن هناك أصل منجّز لا فيهما ولا في أحدهما ، إلا أنّه يوجد أصل مؤمّن في أحدهما فقط.
مثاله : ما إذا علمنا بوقوع قطرة دم في أحد الإناءين ، وكان السائل في أحدهما ماء والسائل في الآخر مشكوكا ومردّدا بين الخلّ والخمر ، فهنا لا توجد حالة سابقة معلومة لتستصحب ، ولا يوجد أصل منجّز فيهما أو في أحدهما ، إلا أنّ السائل الذي فيه ماء تجري فيه أصالة الطهارة بخلاف السائل الآخر ، فإنّ أصالة الطهارة لا تجري في النجاسة الذاتيّة المشكوكة على أحد القولين.
فعلى صياغة المشهور سوف لا يكون العلم الإجمالي منجّزا ؛ لأنّ الأصول الترخيصيّة لا تتعارض إذ لا يوجد إلا أصل ترخيصي واحد فيجري بلا معارض.
بينما على صياغة المحقّق العراقي يكون العلم الإجمالي منجّزا ؛ لأنّ العلم الإجمالي صالح للتنجيز على كلّ تقدير ، إذ كلّ واحد من الطرفين قابل للتنجيز بالعلم الإجمالي ، وليس أحدهما منجّز بمنجّز آخر.
والصحيح هو الصياغة الأولى دون الثانية ؛ لأنّ صياغة المحقّق العراقي يرد عليها أنّ المنجّز بمنجّز آخر يقبل التنجيز مجدّدا بالعلم الإجمالي أيضا ولا استحالة في ذلك ، وإنّما الاستحالة تكون فيما إذا اجتمعت علّتان مستقلّتان على معلول واحد ، وهذا مختص في العلل الحقيقية الواقعيّة دون العلل الاعتباريّة ، ومقامنا من العلل الاعتباريّة ؛ لأنّ التنجيز وثبوت التكليف علّته اعتباريّة أي تابعة لما يجعله الشارع من أسباب وعلل (١).
الركن الرابع : أن يكون جريان البراءة في كلّ من الطرفين مؤدّيا إلى الترخيص في المخالفة القطعيّة ، وإمكان وقوعها خارجا على وجه مأذون فيه ، إذ لو كانت المخالفة القطعيّة ممتنعة على المكلّف حتّى مع الإذن والترخيص لقصور في قدرته فلا محذور في إجراء البراءة في كلّ من الطرفين.
__________________
(١) مضافا إلى وقوع ذلك عمليّا كما إذا نذر أن يصلّي الصبح فتكون منجّزة بمنجّزين معا ، الأوّل الوجوب الثابت لها على فرض تحقّق شرطه وهو طلوع الفجر ، والآخر النذر ، وعليه فإذا لم يصلّ الصبح يكون مخالفا لشيئين للوجوب وللنذر أيضا.