الركن الرابع : أن يكون جريان البراءة ونحوها من الأصول الترخيصيّة مؤدّيا إلى الترخيص في المخالفة القطعيّة ، ومؤدّيا إلى إمكان وقوع هذه المخالفة من المكلّف ، بحيث يكون مأذونا في المخالفة ، وتكون المخالفة ممكنة الوقوع منه خارجا.
ففي مثل هذه الحالة يكون العلم الإجمالي منجّزا ، كما إذا علم بنجاسة أحد هذين الإناءين ، وكان كلّ منهما مجرى لأصالة الطهارة في نفسه باعتبار الشكّ في النجاسة العرضيّة الطارئة عليه ، وكان كلّ من الطرفين تحت اختيار وقدرة المكلّف بحيث يمكنه ارتكابهما معا ، فهنا يكون جريان أصالة الطهارة فيهما معا ترخيصا في المخالفة القطعيّة للمعلوم بالإجمال وهو محال ، ولذلك يقع التعارض بين الأصلين الترخيصيّين ويحكم بتساقطهما معا ؛ لاستحالة ترجيح أحدهما على الآخر من دون مرجّح.
وأمّا إذا لم يكن جريان الأصل الترخيصي في كلّ منهما مؤدّيا إلى الترخيص في المخالفة عمليّا ، فلا محذور في جريانها فيهما حتّى لو كان هناك التزام بالترخيص والإذن في المخالفة ؛ لأنّ المهمّ هو حصول المخالفة فعلا ، وعدم أداء الأصل إلى الوقوع في المخالفة القطعيّة إمّا لأجل قصور في قدرة المكلّف على ارتكابهما معا.
كما لو علم بنجاسة أحد إناءين أحدهما عنده والآخر عند السلطان بحيث كان ممتنعا عرفا الوصول إليه ، وإمّا لأجل محذور عقلي بأن كان أحد الإناءين ممّا لا يمكن الوصول إليه أصلا.
فهنا تجري أصالة البراءة في كلا الطرفين ولا محذور في ذلك ؛ لأنّ ملاك العلم الإجمالي لمنجّزيّة الموافقة القطعيّة كان محذور تعارض الأصول المؤدّية إلى الترخيص في المخالفة ، وهذا مستند إلى المحذور العقلائي ، وهو مختصّ فيما إذا كان بإمكان المكلّف المخالفة القطعيّة.
وأمّا إذا لم يمكنه ذلك فالعقلاء لا يرون محذورا في الترخيص في الطرفين ما دام لن يحصل منه مخالفة عمليّة.
وركنيّة هذا الركن مبنيّة على إنكار علّيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة ، وأمّا بناء على العلّيّة فلا دخل لذلك في التنجيز ، إذ يكفي في امتناع جريان الأصول حينئذ كونها مؤدّية للترخيص ولو في بعض الأطراف.
وهذا الركن واضح بناء على مسلك المشهور من اقتضاء العلم الإجمالي لمنجّزيّة