الأمر الأوّل : العلم الإجمالي ، وهو إنّما ينجّز الفرد الطويل فيما إذا كان طرفا للعلم الإجمالي ، والمفروض أنّه بعد حلول الظهر أو بعد الاغتسال حيث يعلم بارتفاع الفرد القصير لا يوجد علم إجمالي مردّد بين فردين ، وإنّما يوجد شكّ في بقاء التكليف في الفرد الطويل فقط ، وهذا الشكّ تجري فيه الأصول الترخيصيّة بلا معارض.
والأمر الثاني : هو الاستصحاب ، حيث إنّ الفرد الطويل قبل حلول الظهر أو قبل الاغتسال كان منجّزا ، وبعد حلول الظهر أو الاغتسال يشكّ في بقاء تنجيزه وارتفاعه فيستصحب ، إلا أنّ هذا الاستصحاب غير جار ؛ لعدم تماميّة أركانه ، إذ لا علم بثبوت التكليف في الفرد الطويل بذاته ، لأنّه بذاته مشكوك من أوّل الأمر ، وحيث لا يقين بالحدوث فلا يستصحب بقاؤه عند الشكّ ، فظهر أنّه لا يوجد ما ينجّز التكليف في الفرد الطويل بقاء فتجري فيه الأصول المؤمّنة.
وقد يجاب على ذلك بأنّ الاستصحاب يجري على تقدير الحدوث بناء على أنّه متقوّم بالحالة السابقة لا باليقين بها ، ومعه يحصل العلم الإجمالي إمّا بثبوت الاستصحاب في هذا الطرف ، أو ثبوت التكليف الواقعي في الطرف الآخر ، وهو كاف للتنجيز.
وقد يجاب على ذلك بأنّنا لو سلّمنا بأنّ الفرد الطويل لا يقع طرفا للعلم الإجمالي ؛ لأنّه ليس موجودا بعد ارتفاع الفرد القصير ، إلا أنّ استصحاب الفرد الطويل يجري وذلك بتقريب آخر ، وحاصله : أنّه لا يشترط في الاستصحاب أكثر من الحدوث لا اليقين بالحدوث ، وهذا يعني أنّ الشكّ في البقاء على تقدير الحدوث يكفي لجريان الاستصحاب إذا كان هناك أثر شرعي ؛ لأنّ الشكّ متعلّق بنفس ما تعلّق به الحدوث.
وفي مقامنا نقول : إنّ الفرد الطويل على تقدير حدوثه وثبوته فهو مشكوك البقاء إلى ما بعد الظهر أو الاغتسال ، وعليه فيجري استصحابه لترتّب الأثر الشرعي عليه وهو حرمة الشرب من الإناء إلى المغرب ، أو بقاء الحدث الأكبر الذي لا يرتفع إلا بغسل الجنابة.
وحينئذ سوف يتشكّل لدينا علم إجمالي آخر مردّد بين طرفين أحدهما الفرد القصير إلى الظهر والآخر الفرد الطويل إلى المغرب بالاستصحاب ، وهذا العلم الإجمالي موجود من أوّل الأمر إلى جانب العلم الإجمالي السابق وهو العلم الإجمالي بثبوت أحد الأمرين.