الموافقة القطعيّة ، وذلك بأن نقول : إنّ مقتضى الجمع بين الأمرين ينتج لنا التوسّط في التنجيز.
وتوضيحه : أنّ التنجيز إمّا أن يكون ثابتا بمرتبته العليا أو بمرتبته الدنيّة أو بمرتبة وسطيّة بين المرتبتين.
ففي موارد العلم الإجمالي مع فرض الاضطرار إلى أحد الطرفين لا بعينه نقول :
إمّا أن يبقى المعلوم بالإجمال منجّزا على مرتبته العليا أي وجوب ترك كلا الطرفين حتّى الطرف المضطرّ إليه.
وإمّا أن يزول التنجيز رأسا فيجوز ارتكاب الطعام المضطرّ إليه وغيره أيضا.
وإمّا أن يبقى التنجيز في بعض الأطراف ويزول عن البعض الآخر أي جواز ارتكاب ما يضطرّ إليه دون الآخر.
وحينئذ نقول : إنّ الجمع بين العلم الاجمالي ودليل الاضطرار يقتضي رفع اليد عن المرتبة العليا من كلّ منهما ، فلا يحرم كلا الإناءين ولا يجوز ارتكابهما معا ، فنرفع اليد عن إطلاق التنجيز في العلم الإجمالي للطرفين ، وعن إطلاق الجواز ونفي التكليف في دليل الاضطرار ، وتكون النتيجة هي أنّه يجوز ارتكاب أحد الطرفين ويجب ترك الآخر.
فإذا تناول المكلّف أحد الطعامين وترك الآخر فيكون قد حقّق الموافقة القطعيّة لكلا الدليلين ؛ لأنّه بتناوله لأحد الطعامين يكون قد امتثل لدليل الاضطرار ، وبتركه للآخر قد امتثل للعلم الإجمالي المنجّز بالمرحلة الوسطيّة ، ولا يتصوّر هنا المخالفة القطعيّة أصلا.
وأمّا إذا تناول كلا الطعامين فهنا تكون مخالفة قطعيّة للعلم الإجمالي ؛ لأنّ أحدهما موافق لدليل الاضطرار ، وأمّا الآخر فهو مخالف للعلم الإجمالي المنجّز لهذه المرحلة من التنجيز ، ولذلك يحرم تناول كلا الطعامين (١).
__________________
(١) ثمّ إنّ التوسط المذكور تارة يبرز بنحو مشروط كما أفاده الميرزا بأن يقال : إنّ المكلّف مخاطب بأن لا يختار الحرام الواقعي دفعا للاضطرار بل يختار الآخر ، فإذا ارتكبهما معا يكون قد اختار الحرام الواقعي. وأخرى يبرز بأنّ الحرمة تنقلب عن التعيين إلى التخيير كما أفاده المحقّق العراقي ، بأن يقال :
إنّه يجب الاجتناب عن الحرام مخيّرا في هذا الاجتناب بين أحد الفردين ، فإذا لم يجتنب عن أحدهما بل فعلهما معا يكون قد ارتكب الحرام.
إلا أنّ هذين التصوّرين مع أصل المبنى أي التوسّط في التكليف لا وجه له ، والصحيح ما ذكرناه من التوسّط في التنجيز.