وهناك قلنا بأنّ مثل هذا الشكّ لا يرفع منجّزيّة العلم الإجمالي ؛ وذلك لأنّه يوجد احتمالان متكافئان :
أحدهما أن يكون السبب في العلم التفصيلي هو نفس السبب في العلم الإجمالي.
والآخر أن يكون سببه غير سبب العلم الإجمالي.
وحيث لا معيّن لأحد الاحتمالين على الآخر فيكون من الشكّ في تحقّق مصداق الانحلال والسريان من الجامع إلى الفرد ، فلا يمكن التمسّك بالانحلال ؛ لأنّه يكون من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة لنفس العامّ.
وهذا لا إشكال فيه أيضا.
ومثال الثاني : ـ أي ما كانت نسبة سبب العلم الإجمالي فيه إلى الأطراف متساوية ـ أن يحصل علم إجمالي بنجاسة أحد الإناءات التي هي في معرض استعمال الكافر أو الكلب ، لمجرّد استبعاد أن يمرّ زمان طويل بدون أن يستعمل بعضها ، فإنّ هذا الاستبعاد نسبته إلى الأطراف على نحو واحد.
ويترتّب على ذلك أنّه لا يصلح أن يكون قيدا مخصّصا للمعلوم الإجمالي.
وأمّا النحو الثاني : وهو ما إذا كان السبب في نشوء العلم الإجمالي نسبته إلى الأطراف على حدّ واحد ، فمثاله :
ما إذا علم بنجاسة أحد إناءي الكافر لمجرّد استبعاد أن يمرّ زمان طويل من دون أن يستعمل أحدهما على الأقلّ ، أو علم بنجاسة أحد الإناءين الموضوعين أمام الكلب للشرب منهما لمجرّد استبعاد أن يمرّ زمان طويل ولا يشرب من أحدهما على الأقلّ ، أو علم بكذب أحد مدعي النبوّة لقيام البرهان على عدم اجتماع نبيّين معا في وقت واحد في مكان واحد لأمّة واحدة.
فهذا النحو من العلم الإجمالي كان منشؤه مجرّد الاستبعاد بالنسبة للأواني ، وهذا الاستبعاد نسبته إلى كلا الإناءين على حدّ واحد ، بمعنى كما أنّ الاستبعاد موجود في هذا الإناء فهو موجود في ذاك أيضا ، بحيث يكون إثبات النجاسة في أحدهما ترجيحا بلا مرجّح ؛ لأنّ السبب فيهما متساو.
وممّا يترتّب على ذلك أنّ هذا السبب لا يمكن أن يخصّص أو يقيّد النجاسة