لا تبدأ إلا من حين قيام الأمارة أو جريان الأصل ، سواء كان المؤدّى مقارنا لقيامها أو سابقا على ذلك.
قلنا : إنّ الانحلال الحكمي للعلم الإجمالي بالأمارة أو الأصل المنجّزين لأحد الأطراف المعيّن فرع انهدام الركن الثالث ، وهذا إنّما يتحقّق فيما إذا كانت الأمارة أو الأصل متقدّمين على العلم الإجمالي لا متأخّرين عنه ، فلا بدّ أن يكون نفس المنجّز الشرعي متقدّما زمانا على العلم الإجمالي.
وأمّا إذا كان المنجّز الشرعي متأخّرا في الحدوث عن العلم الإجمالي فلا يتحقّق الانحلال ، سواء كان مؤدّى هذا المنجّز متأخّرا أيضا أم متقدّما أم مقارنا ، فلا عبرة بتقدّم المؤدّى أو تأخّره بل العبرة بتقدّم نفس المنجّز.
والوجه في ذلك هو : أنّ سقوط العلم الإجمالي عن المنجّزيّة هنا فرع عدم جريان الأصول الترخيصيّة في كلا الطرفين ، فعند ما يكون أحد الأطراف منجّزا بمنجّز آخر فإنّه لا تجري فيه الأصول الترخيصيّة فينحلّ. ومن الواضح أنّ كون أحد الطرفين لا تجري فيه الأصول الترخيصيّة إنّما يكون فيما إذا كان منجّزا فينهدم الركن الثالث بكلتا صيغتيه.
أمّا الصيغة المشهورة فلأنّ الأصول الترخيصيّة لم تجر في هذا الطرف المنجّز فلا تعارض.
وأمّا الصيغة على مسلك المحقّق العراقي فلأنّ المنجّز لا يمكن أن يتنجّز مرّة أخرى بالعلم الإجمالي فهو غير منجّز لمعلومه على كلّ تقدير.
ثمّ إنّ هذه المنجّزيّة إنّما تثبت في أحد الطرفين بعد قيام الأمارة أو الأصل لا قبل ذلك ، فإذا كانت الأمارة أو الأصل متقدّمين على العلم الإجمالي كانت المنجّزيّة في أحد الطرفين ثابتة قبل طروّ العلم الإجمالي فلا يؤثّر في المنجّزيّة ، إمّا لأنّه لا ينجّز المنجّز ، وإمّا لأنّه لا تجر فيه الأصول الترخيصيّة.
وأمّا إذا كانت المنجّزيّة بعد طروّ العلم الإجمالي فالعلم الإجمالي منجّز لطرفيه قبل ثبوت الأمارة ؛ لجريان الأصول الترخيصيّة في الطرفين معا قبل قيام المنجّز أو لكونه منجّزا لمعلومه على كلّ تقدير ، فبعد ثبوت الأمارة لا يزول العلم الإجمالي ولا تبطل منجّزيّته ، بل تتأكّد في أحدهما المعيّن.