وثالثا : أنّ الانحلال الحقيقي والذي هو سريان العلم من الجامع إلى الفرد قهرا إنّما يتحقّق فيما إذا كان المعلومان بالإجمال والتفصيل متّحدين في الزمان ولا يشترط اتّحاد نفس العلمين ، بينما الانحلال الحكمي والذي هو سقوط المنجّزيّة المسبّبة عن عدم جريان الأصول الترخيصيّة في أحد الطرفين مع جريانها في الطرف الآخر إنّما يتحقّق فيما إذا كان نفس المنجّز من أمارة أو أصل متقدّما على العلم الإجمالي ، ولا يشترط تقدّم مؤدّى الأمارة أو الأصل أو تأخّره أو مقارنته للمعلوم الإجمالي ؛ لأنّ المنجّزيّة متقوّمة بالوصول وهو لا يتمّ إلى بقيام الأمارة أو الأصل لدى المكلّف ولا عبرة بمؤدّاهما والواقع المحكي بها.
والسرّ في ذلك : ما ذكرناه من كون السراية القهريّة من الجامع إلى الفرد فرع الانطباق والمصداقيّة للفرد مع الجامع ، وهذا فرع اتّحادهما أي الفرد والجامع ، وهذا هو اتّحاد المعلوم الإجمالي أي الجامع مع المعلوم التفصيلي أي الفرد.
وأمّا المنجزيّة وعدم جريان الأصول الترخيصيّة في بعض الأطراف فهي فرع كون هذا البعض متنجّزا بمنجّز سابق على العلم الإجمالي ، وهذا المنجّز لا يثبت إلا مع قيام الأمارة أو الأصل ؛ لأنّها فرع الوصول كما ذكرناه ، ولهذا تكون الأمارة أو الأصل متقدّمة على العلم الإجمالي.
ولذلك لا يشترط اتّحاد العلمين في الانحلال الحقيقي ؛ لأنّ الانحلال وعدمه ليس مرتبطا بنفس العلمين ، وكذا لا يشترط تقدّم مؤدّى الأمارة أو الأصل على العلم الإجمالي ؛ لأنّ ملاك الانحلال ليس مرتبطا بالمؤدّى بل بنفس المنجّز.
ويترتّب على ذلك : أنّه لو فرض اجتماع العلمين الإجمالي والتفصيلي في مرحلة البقاء حصل الانحلال فيما إذا كانت المصداقيّة والمطابقة بين المعلومين متحقّقة ، بينما لو فرض تقدّم مؤدّى الأمارة مع تأخّر نفس الأمارة فلا يحصل الانحلال الحكمي ، بخلاف ما لو تقدّمت نفس الأمارة أو الأصل سواء كان مؤدّاهما متقدّما أم مقارنا فإنّه يحصل الانحلال.
قد يفترض أنّ أحد طرفي العلم الإجمالي طرف في علم إجمالي آخر ، فإن كان العلمان متعاصرين فلا شكّ في تنجيزهما معا وتلقّي الطرف المشترك التنجيز