مجموع الاطمئنانات الفعليّة في سائر الأطراف ؛ لأنّ مجموعها لن يؤدّي إلى الاطمئنانين بالمجموع ، فلن يحصل المدلول الالتزامي فيها وبالتالي لا تكاذب.
وبهذا ظهر أنّ سبب التكاذب الناشئ من المدلول الالتزامي للاحرازين أو للأمارتين غير موجود في مقامنا ، فلا تكاذب ولا تعارض من هذه الجهة.
وأما الثاني : فلأنّ الترخيص في المخالفة القطعيّة إنّما يلزم لو كان دليل حجّيّة هذه الاطمئنانات يقتضي الحجّيّة التعيينيّة لكلّ واحد منها ، غير أنّ الصحيح إنّ مفاده هو الحجّيّة التخييريّة ؛ لأنّ دليل الحجّيّة هنا هو السيرة العقلائيّة وهي منعقدة على الحجّيّة بهذا المقدار.
وأمّا السبب الثاني ـ وهو أن يكون التعبّد بحجّيّة الإحرازات مؤدّيا إلى الترخيص في المخالفة القطعيّة ـ فهذا غير موجود في مقامنا ؛ وذلك لأنّ حجّيّة الإحراز في مقامنا ـ وهو الاطمئنان ـ إنّما هو السيرة العقلائيّة ، وهي تفيد حجّيّة الاطمئنان تخييرا لا تعيينا.
بمعنى أنّ العقلاء يرون أن تطبيق الاطمئنان بعدم الانطباق على هذا الطرف جائز وعلى ذاك جائز ، إلا أنّ
تطبيق الاطمئنان على المجموع غير جائز ، فيلزم أن تكون الاطمئنانات جميعا حجّة بنحو التخيير ، إذ لو كانت الحجّيّة تعيينيّة للزم أن يكون كلّ اطمئنان حجّة بنفسه ويؤخذ به.
وبالتالي تكون جميع الأطراف الاطمئنان فيها حجّة تعيينا ، فيقع التكاذب بين هذه الاطمئنانات للعلم بكذب بعضها ، وحيث إنّه غير معلوم فيكون كذب هذا البعض بخصوصه دون الآخر ترجيحا بلا مرجّح ، وعدم كذب شيء منها يؤدّي إلى التعارض بين حجّيّتها التعيينيّة وبين العلم الإجمالي بكذب أحدهما ، فيتعيّن رفع اليد عن بعضها غير المعيّن وهو معنى الحجّيّة التخييريّة ، أي يجوز له الأخذ بأي طرف شاء ولكن لا يجوز الأخذ بجميع الأطراف.
والوجه في هذا هو حساب الاحتمالات ؛ لأنّ الاطمئنان الفعلي في كلّ طرف كان مستندا إلى حساب الاحتمالات كما تقدّم ، بناء على ضآلة القيمة الاحتماليّة لانطباق المعلوم بالإجمال في هذا الطرف ، فلو كان لدينا مائة ألف إناء كانت القيمة الاحتماليّة لانطباق المعلوم بالإجمال عليه ١ / ١٠٠٠٠٠ وتزداد ضآلة كلّما ازدادت الأطراف كثرة.