فظهر أنّ الملاك في جريان الأصول الترخيصيّة وعدم جريانها هو كونها أهمّ من الغرض اللزومي.
نعم ، في موارد الشبهة المحصورة لا تكون الأطراف الترخيصيّة هي الأهمّ ، ولذلك لا تجري الأصول الترخيصيّة فيها.
البيان الثاني : أنّ عدم القدرة على المخالفة القطعيّة إذا نشأ من كثرة الأطراف أدّى إلى إمكان جريان الأصول فيها جميعا ، إذ في غرض لزومي واصل كذلك ـ بوصول مردّد بين أطراف بالغة هذه الدرجة من الكثرة ـ لا يرى العقلاء محذورا في تقديم الأغراض الترخيصيّة عليه ؛ لأنّ التحفّظ على مثل ذلك الغرض يستدعي رفع اليد عن أغراض ترخيصيّة كثيرة ، ومعه لا يبقى مانع عن شمول دليل الأصل لكلّ الأطراف.
وهذا هو البيان الصحيح للركن الرابع ، وهو يثبت عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة ، ولا يرد عليه النقض.
البيان الثاني : أن يقال : إن المقصود من الركن الرابع هو أنّ الأصول الترخيصيّة يمنع من جريانها إذا أدّت إلى المخالفة القطعيّة الواقعيّة ، ولا يمنع من جريانها إذا لم تؤدّ إلى ذلك ، وعدم إمكان المخالفة القطعيّة لجميع الأطراف تارة ينشأ من عجز المكلّف نفسه وعدم قدرته على إيقاع هذه المخالفة ؛ لعدم تمكّنه من الوصول إلى بعضها أو لخروج بعضها عن محلّ ابتلائه أو لتلف بعضها ونحو ذلك ، وأخرى ينشأ من مجرّد كثرة الأطراف فقط مع أنّ المكلّف قادر على ارتكابها جميعا لو أتيح له ذلك.
فهنا لا يوجد عجز تكويني ولا استحالة عقليّة في عدم إمكان المخالفة القطعيّة ، بل هي مقدور عليها وليست مستحيلة ، غاية الأمر العادة تقتضي أنّه لا يمكن المخالفة مع هذه الأطراف البالغة من الكثرة حدّا كبيرا.
وحينئذ نقول : إنّ عدم القدرة والعجز إذا نشأ من كثرة الأطراف فهنا تجري الأصول الترخيصيّة بلا محذور ، بخلاف ما لو نشأ العجز من خروج أحدهما عن محلّ الابتلاء أو تلفه أو عدم تمكن المكلّف من ارتكابه لخروجه عن قدرته فعلا.