دليلها قاصر عن ذلك ؛ لأنّه مختصّ بالشكّ في الطهارة العرضيّة بعد إحراز الطهارة الذاتيّة ، وكما إذا علم بوجود إكرام العالم وشكّ في مصداقه في الخارج ، وكانت أطراف الشكّ كثيرة جدّا ، فهنا لا يجري الأصل المؤمّن أي البراءة في أطراف الشكّ ؛ لأنّ البراءة لا تجري في الشكّ في المكلّف به.
وأمّا على التقريب الثاني أي سقوط الركن الرابع فهو يفترض مسبقا جريان الأصول الترخيصيّة في تمام الأطراف ؛ لأنّه مبني على أنّ جريانها كذلك لا يؤدّي إلى المخالفة القطعيّة ، وهذا يقتضي أن يكون كلّ طرف مجرى للأصل الترخيصي وإلا لم يتمّ هذا التقريب أصلا (١).
قد يفرض أنّ ارتكاب الواقعة غير مقدور ويعلم إجمالا بحرمتها أو حرمة واقعة أخرى مقدورة ، وفي مثل ذلك لا يكون العلم الإجمالي منجّزا. وتفصيل الكلام في ذلك : أنّ القدرة تارة تنتفي عقلا ، كما إذا كان المكلّف عاجزا عن الارتكاب حقيقة ، وأخرى تنتفي عرفا بمعنى أنّ الارتكاب فيه من العنايات المخالفة للطبع والمتضمّنة للمشقّة ما يضمن انصراف المكلّف عنه ، ويجعله بحكم العاجز عنه عرفا وإن لم يكن عاجزا حقيقة ، كاستعمال كأس من حليب في بلد لا يصل إليه عادة ، ويسمّى هذا العجز العرفي بالخروج عن محلّ الابتلاء.
الحالة الثامنة : أن يكون أحد الطرفين غير مقدور على ارتكابه :
تارة يعلم المكلّف بحرمة الشرب من أحد هذين الإناءين الموجودين فعلا أمامه ، وهذا يعني أنّه قادر على شربهما معا وعلى تركهما كذلك ، فهنا لا إشكال في منجّزيّة العلم الإجمالي لترك كلا الإناءين.
__________________
(١) ومنها : أنّه بناء على التقريب الأوّل أي حجّيّة الاطمئنان قلنا : إنّ حجّيّته تخييريّة لا تعيينيّة ، وهذا يعني أنّه يجوز ارتكاب مقدار من الأطراف يوجد معها الاطمئنان ، أمّا المقدار الذي لا يكون فيه اطمئنان فلا يجوز ارتكابه ؛ لأنّ مقتضي الحجّيّة لا يكون موجودا فيه حينئذ.
بينما على التقريب الثاني يجوز ارتكاب أي مقدار شاء من الأطراف شرط ألاّ يقع في المخالفة القطعيّة للمعلوم بالإجمال ، أي يجب أن يترك مقدارا مساويا للمقدار المعلوم بالإجمال وغيره يكون مخيّرا في ارتكابه وعدم ارتكابه كذلك.