وأخرى يعلم بحرمة الشرب من أحد إناءين أحدهما مقدور على ارتكابه والآخر غير مقدور على ارتكابه ، فهنا هل يكون العلم الإجمالي منجّزا أم لا؟
والجواب : أنّه لا يكون منجّزا ، هذا بشكل عامّ ، وأمّا تفصيل الكلام في المسألة فهو يستدعي التفصيل في عدم القدرة ، ولذلك نقول : إنّ عدم القدرة على الارتكاب له سببان أو منشآن :
الأوّل : عدم القدرة بمعنى العجز التكويني ، بأن لا يكون المكلّف قادرا على الارتكاب بحكم العقل ، فهنا القدرة منتفية حقيقة لعجزه تكوينا عن ارتكابه ، كما إذا علم بنجاسة أحد إناءين أحدهما أمامه والآخر في مكان مجهول فعلا ، أو في مكان معلوم لكن لا يمكن الوصول إليه أصلا.
الثاني : عدم القدرة بمعنى العجز العرفي ، بأن كان المكلّف قادرا بحكم العقل على الارتكاب بأن كان يقدر على الوصول إليه ، إلا أنّ الوصول إليه يحتاج إلى بذل جهد ومشقّة وعناية زائدة ينزّل معها هذا الإناء منزلة الإناء غير المقدور حقيقة ، بحيث تكون هناك عنايات مخالفة للطبع العرفي وليست مألوفة عند العقلاء ، فإنّه وإن كان من الممكن حصولها لكنّه يعتبر شيئا مستهجنا وغريبا وغير مألوف ، وهذا ما يسمّى بخروج أحد الطرفين عن محلّ الابتلاء.
كما إذا علم بنجاسة أحد الإناءين إمّا الإناء الذي أمامه أو الإناء الذي في البلد الآخر ، بحيث لم يكن الوصول إلى البلد الآخر متعذّرا وغير مقدور عليه عقلا ، بل كان الوصول إليه يحتاج إلى مشقّة وعناية خارجة عن المألوف والعرف ، أو كان هذا الإناء الآخر تحت يد السلطان في بلده فإنّه يقدر عقلا على ارتكابه لعدم العجز الحقيقي ، إلا أنّ الوصول إليه يحتاج إلى طرق وعنايات ليست مألوفة عرفا.
وعلى كلّ حال سوف نتحدّث عن كلّ واحدة من الحالتين بنحو مستقلّ فنقول :
فإن حصل علم إجمالي بنجاسة أحد مائعين مثلا ، وكان أحدهما ممّا لا يقدر المكلّف عقلا على الوصول إليه ، فالعلم الإجمالي غير منجّز ، ويقال في تقريب ذلك عادة ، إنّ الركن الأوّل منتف لعدم وجود العلم بجامع التكليف ؛ لأنّ النجس إذا كان هو المائع الذي لا يقدر المكلّف على ارتكابه فليس موضوعا للتكليف الفعلي ؛ لأنّ التكليف الفعلي مشروط بالقدرة ، فلا علم إجمالي بالتكليف الفعلي إذن.