الصورة الأولى : أن يكون أحد الطرفين غير مقدور على ارتكابه عقلا :
كما إذا علم بنجاسة أحد إناءين أحدهما أمامه والآخر لا يمكن الوصول إليه ؛ للجهل بمكانه مثلا أو لكونه في مكان بعيد جدّا لا يمكن الوصول إليه عقلا ، فهنا لا يكون العلم الإجمالي منجّزا ولذلك يجوز ارتكاب الإناء الذي أمامه.
وأمّا توجيه عدم المنجّزيّة فقد قال المشهور في ذلك إنّ الركن الأوّل من أركان العلم الإجمالي مختلّ ، بمعنى أنّه لا يوجد علم بجامع التكليف على كلّ تقدير.
وتوضيحه : أنّ النجس المعلوم إجمالا إن كان هو الإناء الموجود فعلا عند المكلّف العالم بالإجمال فالتكليف ثابت وفعلي ، إلا أنّه إن كان في الإناء الآخر غير المقدور عليه فالتكليف وإن كان ثابتا فيه لكنّه ليس فعليّا ؛ لأنه يشترط في فعليّة التكليف أن يكون مقدورا عليه ، إذ التكليف بغير المقدور مستحيل عقلا.
فمع انتفاء القدرة ينتفي التكليف الفعلي ، وحينئذ يدور الأمر بين ثبوت التكليف الفعلي وبين عدم ثبوته ، أي إنّه ثابت على بعض التقادير لا على جميع التقادير ، ومن الواضح أنّ العلم الدائر بين ثبوت التكليف وعدم ثبوته لا يعتبر علما بجامع التكليف على كلّ حال وعلى جميع التقادير ، بل إمّا أن يوجد التكليف أو لا يوجد فهناك شبهة بدوية إذن ، فتجري فيها الأصول الترخيصيّة بلا مانع.
ومن هنا قالوا بأنّ التكليف الدائر بين المقدور وغير المقدور غير مقدور.
وكأنّ أصحاب هذا التقريب جعلوا الاضطرار العقلي إلى ترك النجس كالاضطرار العقلي إلى ارتكابه ، فكما لا ينجّز العلم الإجمالي مع الاضطرار إلى ارتكاب طرف معيّن منه ـ على ما مرّ في الحالة الثانية ـ كذلك لا ينجّز مع الاضطرار العقلي إلى تركه ؛ لأنّ التكليف مشروط بالقدرة ، وكلّ من الاضطرارين يساوق انتفاء القدرة ، فلا يكون التكليف ثابتا على كلّ تقدير.
ولعلّ الداعي الذي من أجله ذهب المشهور إلى هذا القول هو ما تقدّم سابقا في الحالة الثانية ، من أنّ أحد الطرفين إذا كان المكلّف مضطرّا إلى ارتكابه قبل العلم الإجمالي ثمّ علم إجمالا بنجاسته أو نجاسة الإناء الآخر غير المضطرّ إليه ، فلا يكون هذا العلم الإجمالي منجّزا لاختلال ركنه الأوّل ؛ لأنّه دائر بين ثبوت التكليف الفعلي إذا كان النجس في الإناء غير المضطرّ إليه ، وبين عدم ثبوته إذا كان في الإناء المضطرّ