الثانية : أن يكون الشكّ في الوجوب والحرمة مقرونا بالعلم الإجمالي بجامع التكليف بينهما ، بأن يعلم بالإلزام ويشكّ في كونه وجوبا أو تحريما ، فهاهنا لا احتمال للترخيص ، وهذا ما يسمّى بدوران الأمر بين المحذورين.
الشكّ البدوي في الوجوب والحرمة هو الشكّ المشتمل على احتمال الوجوب واحتمال الحرمة واحتمال الترخيص ، وسندرس حكمه بلحاظ الأصل العملي العقلي ، وبلحاظ الأصل العملي الشرعي.
الصورة الأولى : ما اذا كان الشكّ في الوجوب والحرمة بدويّا ، أي كان احتمال الوجوب واحتمال الحرمة مشتملا أيضا على احتمال الترخيص والإباحة ، فيدور الأمر بين الإلزام والترخيص في الدقّة ، ولذلك يسمّى بالشكّ البدوي إذ يحتمل ألاّ يكون هناك إلزام أصلا ، فلا وجوب ولا حرمة وبالتالي لا تكليف ، فهو شكّ بدوي في التكليف بهذا اللحاظ ، وإن كان التكليف الإلزامي المشكوك دائرا أيضا بين نوعين هما الوجوب والحرمة.
وحكم هذه الصورة تارة يبحث بلحاظ حكم العقل أي الأصل العملي العقلي والذي هو ( البراءة أو الاحتياط ) ، وأخرى يبحث عنها بلحاظ حكم الشرع أي الأصل العملي الشرعي الشامل للبراءة والاحتياط والاستصحاب والتخيير ونحوها من الأصول الشرعيّة.
أمّا باللحاظ الأوّل فعلى مسلك قبح العقاب بلا بيان لا شكّ في جريان البراءة عن كلّ من الوجوب والحرمة ، وعلى مسلك حقّ الطاعة يكون كلّ من الاحتمالين منجّزا في نفسه ، ولكنّهما يتزاحمان في التنجيز لاستحالة تنجيزهما معا ، وتنجيز أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، فتبطل منجّزيّتهما معا وتجري البراءة أيضا.
أمّا حكم العقل فهو البراءة العقليّة.
والوجه في ذلك هو : أمّا بناء على مسلك المشهور القائل بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فالحكم العقلي الأوّلي هو البراءة ما دام التكليف غير معلوم ولم يتمّ عليه البيان ، وفي مقامنا حيث لا يعلم بالحرمة بخصوصها ولا بالوجوب بخصوصه للدوران بينهما ، وحيث لا يعلم بأصل الإلزام وجامع التكليف لأنّه يحتمل الترخيص والإباحة ،