العقلي والاحتياط بناء على منجّزيّة مطلق الانكشاف ، فكان حكم العقل هو الاحتياط ، غاية الأمر أنّ هذا الحكم العقلي مقيّد بعدم صدور الإذن والترخيص من الشارع كما تقدّم ، وأدلّة البراءة الشرعيّة تعتبر إذنا وترخيصا ، فيكون حكم العقل هو الاحتياط بينما حكم الشرع هو البراءة ، وهي مقدّمة لكونها رافعة لموضوع حكم العقل.
بينما الشكّ البدوي في الوجوب والحرمة والإباحة فهو مجرى للبراءة العقليّة والشرعيّة معا ، حتّى على مسلك حقّ الطاعة ؛ لأنّ العقل لا يمكنه أن يحكم بالتنجيز واشتغال الذمّة لا لهما معا ولا لأحدهما فقط ، فتسقط المنجّزيّة ، فتكون الشبهة لا منجّز عقلي لها ، وحيث إنّ العقل يدور أمره بين الحكم بالتنجيز أو عدم التنجيز أو الحكم بالاحتياط أو البراءة ، فحيث لا احتياط فتتعيّن البراءة ؛ لأنّه إمّا أن يدرك حقّ الطاعة في هذا المورد أو لا يدركه ، ولا شقّ ثالث بينهما ، وهذا الحكم العقلي بالبراءة موافق لحكم الشارع ؛ لأنّه يحكم بالبراءة أيضا ؛ لأنّ أدلّتها شاملة لهذه الصورة بإطلاقها.
وبهذا ينتهي الكلام عن الصورة الأولى.
وهو الشكّ المقرون بالعلم الإجمالي بجنس الإلزام ، وتوضيح الحال فيه :
أنّ هذا العلم الإجمالي يستحيل أن يكون منجّزا ؛ لأنّ تنجيزه لوجوب الموافقة القطعيّة غير ممكن ؛ لأنّها غير مقدورة ، وتنجيزه لحرمة المخالفة القطعيّة ممتنع أيضا ؛ لأنّها غير ممكنة ، وتنجيزه لأحد التكليفين المحتملين بالخصوص دون الآخر غير معقول ؛ لأنّ نسبة العلم الإجمالي إليهما نسبة واحدة ، وبهذا يتبرهن عدم كون العلم الإجمالي منجّزا.
الصورة الثانية : فيما إذا كان الشكّ في الوجوب والحرمة مقرونا بالعلم الإجمالي بجامع الإلزام ، أي أنّ المكلّف يعلم بأنّ هذه الواقعة حكمها الإلزام لا الترخيص ، ولكنّه لا يدري ما هو الإلزام الموجود فيها هل هو الوجوب أو هو الحرمة؟ فيكون الشكّ في الوجوب والحرمة في كون المعلوم بالإجمال على أيّهما ينطبق ، أي أنّهما طرفان للعلم الإجمالي.