التكليف أم لا بدّ من القطع به ليتنجّز؟ فيعود البحث إلى سعة أو ضيق حقّ الطاعة.
وهكذا نصل إلى المسلك الثاني وهو مسلك حقّ الطاعة المختار ، ونحن نؤمن في هذا المسلك بأنّ المولويّة الذاتيّة الثابتة لله سبحانه وتعالى لا تختصّ بالتكاليف المقطوعة ، بل تشمل مطلق التكاليف الواصلة ولو احتمالا ، وهذا من مدركات العقل العملي وهي غير مبرهنة ، فكما أنّ أصل حقّ الطاعة للمنعم والخالق مدرك أوّلي للعقل العملي غير مبرهن كذلك حدوده سعة وضيقا.
وعليه فالقاعدة العمليّة الأوّليّة هي أصالة الاشتغال بحكم العقل ما لم يثبت الترخيص الجادّ في ترك التحفّظ على ما تقدّم في مباحث القطع ، فلا بدّ من الكلام عن هذا الترخيص وإمكان إثباته شرعا ، وهو ما يسمّى بالبراءة الشرعيّة.
المسلك الثاني : هو مسلك حقّ الطاعة.
وهذا المسلك مفاده أنّ الله تعالى بحكم كونه خالقا ومنعما ورازقا فله على عباده وجوب الشكر وأداء الطاعة لكلّ أوامره ونواهيه ، وهذا الحقّ يؤمن به العقل العملي القاضي بما ينبغي أن يكون.
وبناء على هذا المسلك نؤمن بأنّ حقّ الطاعة للمولى ثابت في مطلق الوصول والانكشاف للتكاليف سواء كان بنحو القطع أم الظنّ أم الشكّ أم الاحتمال ، فإنّ التكليف المحتمل يجب على المكلّف امتثاله ويكون مستحقّا للعقاب عقلا على مخالفته ، وهذا يعني أنّ القاعدة الأوّليّة عند الشكّ البدوي هي قاعدة الاحتياط العقلي وأصالة اشتغال الذمّة ما لم يحرز المكلّف الفراغ اليقيني.
وهذا الحقّ الثابت للمولى مدرك للعقل العملي من دون برهان عليه ؛ لأنّه من شئون الخالق والمنعم فلا يحتاج إلى الاستدلال والبرهنة ، بل بمجرّد الإيمان بوجود الخالق والمنعم يحكم العقل بأنّ للمولى حقّ الطاعة على عباده.
وأمّا أنّ هذا الحقّ واسع وليس ضيّقا ، بمعنى أنّه يشمل كلّ انكشاف ووصول للتكاليف ، فهذا أيضا لا برهان عليه ؛ لأنّه من شئون المولى أيضا ، بمعنى أنّه إذا ثبتت المولويّة فيثبت معها أنّ الدائرة واسعة أيضا ، هذا كلّه على أساس ما يدركه العقل ؛ إلا أنّ هذا الحكم العقلي ليس مطلقا بل هو معلّق ومقيّد على عدم صدور الترخيص الجادّ