وإن كان بمعنى الصدور لا يتمّ الاستدلال على البراءة المطلوبة ؛ وذلك لأنّ المعنى على هذا يكون أنّه إذا صدر التكليف ثبت الورود ، وأمّا إذا لم يصدر فهو في سعة منه ، وحينئذ إذا لم يصل التكليف لكن احتمل صدوره واختفاؤه لسبب ما فلا يمكن ثبوت السعة والتأمين إذ لعلّه صدر ، فيكون الشكّ هنا من الشبهة المصداقيّة للبراءة ؛ لأنّه يشكّ في أنّ موضوعها متحقّق أم لا ، ومعه لا يمكن التمسّك بدليل البراءة ؛ لأنّه من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة.
والحاصل : أنّ الغاية التي هي الورود إن كانت بمعنى الوصول فمع عدم الوصول تنتفي الغاية فيبقى المغيّى ، ومع الوصول تتحقّق الغاية فينتفي المغيّى ، وإن كان بمعنى الصدور فالصدور يحقّق الغاية فينتفي المغيّى ، ومع عدم الصدور تنتفي الغاية فيبقى المغيّى ثابتا.
وعلى الأوّل يتمّ الاستدلال بالآية على البراءة دون الثاني ؛ لأنّ المراد بالبراءة التأمين عن التكليف المشكوك بمجرّد عدم وصوله سواء كان صادرا أم لا.
الثانية : أنّ النهي الذي جعل غاية هل يشمل النهي الظاهري المستفاد من أدلّة وجوب الاحتياط أو لا؟
فعلى الأوّل تكون البراءة المستفادة ثابتة بدرجة يصلح دليل وجوب الاحتياط للورود عليها ، وعلى الثاني تكون بنفسها نافية لوجوب الاحتياط.
النقطة الثانية : في أنّ البراءة المستفادة من الآية هل تكون معارضة للاحتياط على فرض تماميّة دليله ، أو أنّها محكومة له؟
والجواب عن هذا السؤال يختلف حاله باختلاف المراد من ورود النهي الذي جعل غاية ، فإنّه يوجد فيه احتمالان :
الأوّل : أنّ يكون المراد من ورود النهي العنوان الأوّلي ، فيكون المعنى أنّ ورود النهي واقعا هو الغاية للسعة والإطلاق ، فما دام النهي الواقعي لم يرد فالسعة والإطلاق ثابتان ، وأمّا مع ورود النهي الواقعي فتتحقّق الغاية فينتفي المغيّى أي الإطلاق والسعة.
وهذا يعني أنّ البراءة تثبت ما دام النهي واقعا لم يرد على هذا الشيء المشكوك ، فتكون البراءة ثابتة في مورد الشكّ في الواقع الذي لم يرد ولم يصل إلى المكلّف ،