عليه شيء آخر ، فعند ما يقال : وردنا ضيف يوجد وارد وهو الضيف ويوجد مورود عليه وهو المضيف ، ولا يتصوّر ورود الضيف من دون تصوّر وجود المضيف.
وهنا عند ما يرد النهي لا بدّ من مورود عليه ليرده النهي ، فهناك طرف آخر يصل إليه النهي ليتحقّق أنّه ورد النهي ، وهذا الطرف هو المكلّف فإذا وصله النهي تحقّق وروده وإلا فلا.
وجوابه : أنّنا لو سلّمنا أنّ الورود يستبطن حيثيّة الوصول ، وأنّه لا بدّ من مورود عليه إلا أنّه مع ذلك لا يتعيّن ما ذكر ؛ وذلك لأنّه يكفي في ورود النهي صدوره من الشارع ووصوله إلى الشيء ، فإنّه هو الذي يردّه النهي لا المكلّف.
وبتعبير آخر : أنّ النهي يرد على الشيء لا على المكلّف ، فيكفي أن يصل النهي إلى الشيء ووصوله إلى الشيء يعني صدور تشريع وخطاب يفيد التحريم ، فإنّه يتحقّق أنّ هذا الشيء ورد فيه النهي.
وحينئذ لا يتعيّن ما ذكر ؛ لأنّ هذا المعنى محتمل أيضا في نفسه ، ولا أقلّ من الإجمال وهو كاف لمنع الاستدلال.
فالاستدلال بالرواية إذن غير تامّ ، وعليه فلا أثر للحديث عن النقطة الثانية.
وبهذا يظهر أنّ النقطة الأولى وهي أنّ الورود بمعنى الوصول غير تامّ ، ولذلك لا يتمّ الاستدلال بالحديث على البراءة ؛ لأنّ المراد بها التأمين عند عدم وصول التكليف سواء صدر أم لا ، لا التأمين عند عدم صدوره ؛ لأنّه مع العلم بعدم صدوره فلا معنى للبراءة إذ لا شكّ حينئذ.
وعليه ، فلا حاجة للبحث عن النقطة الثانية من أنّ البراءة المستفادة من الحديث هل هي معارضة للاحتياط أم مورودة له؟ ؛ لأنّ هذا فرع استفادة البراءة أوّلا وقد تبيّن عدم إمكان استفادتها.
ومنها : حديث الرفع المروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ونصّه : « رفع عن أمّتي تسعة : الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطرّوا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة » (١) ، والبحث حول هذا الحديث يقع على ثلاث مراحل :
__________________
(١) الخصال : ٤١٧. التوحيد : ٣٥٣.