وبهذا يظهر أنّ الأصل المؤمّن عن الأقلّ مستحيل ولا معنى له فلا يجري ، ولذلك يكون جريان الأصل المؤمّن عن وجوب الأكثر لا معارض له ، وبه يتحقّق الانحلال الحكمي للعلم الإجمالي.
وهذا بيان صحيح في نفسه ، ولكنّه يستبطن الاعتراف بالركنين الأوّل والثاني ومحاولة التخلّص بهدم الركن الثالث ، مع أنّك عرفت أنّ الركن الثاني غير تامّ في نفسه.
وهذا الجواب وإن كان صحيحا في نفسه لكنّه يستلزم مسبقا الاعتراف بوجود علم إجمالي منجّز وتامّ ، ثمّ يصار إلى إسقاطه عن المنجّزيّة بعدم ركنه الثالث.
إلا أنّ مثل هذا العلم الإجمالي المنجّز لا وجود له كما تقدّم في الجواب الثالث ، أو منحلّ انحلالا حقيقيّا كما تقدّم في الجوابين الأوّل والثاني ، وحينئذ لا مجال للانحلال الحكمي أصلا.
البرهان الثاني : والبرهان الثاني يقوم على دعوى أنّ المورد من موارد الشكّ في المحصّل بالنسبة إلى الغرض ، وذلك ضمن النقاط التالية :
أوّلا : أنّ هذا الواجب المردّد بين الأقلّ والأكثر للمولى غرض معيّن من إيجابه ؛ لأنّ الأحكام تابعة للملاكات في متعلّقاتها.
ثانيا : أنّ هذا الغرض منجّز لأنّه معلوم ، ولا إجمال في العلم به ، وليس مردّدا بين الأقلّ والأكثر وإنّما يشكّ في أنّه هل يحصل بالأقلّ أو بالأكثر؟
ثالثا : يتبيّن ممّا تقدّم أنّ المقام من الشكّ في المحصّل بالنسبة إلى الغرض ، وفي مثل ذلك تجري أصالة الاشتغال كما تقدّم.
البرهان الثاني : ما لعلّه يظهر من صاحب ( الكفاية ) حيث ذكر نظير هذا الكلام في بحث التعبّدي والتوصّلي عند الشكّ فيهما ، ودوران أمر الواجب بين كونه تعبّديّا أو توصّليّا.
وهذا البرهان يبتني على جعل المورد من موارد الشكّ في المحصّل لكن بلحاظ الغرض لا بلحاظ نفس التكليف ، ولا بلحاظ الخروج عن العهدة ، إذ الشكّ في المحصّل تارة يكون بلحاظ التكليف ، وذلك عند الشكّ فيما هو المكلّف به ، وأخرى