به فكذلك العجز الشرعي عن الفعل أو الترك ، فإنّه لا يكون المكلّف بلحاظه قادرا على الفعل أو الترك تعبّدا وإن كان قادرا على ذلك تكوينا.
فإذا قيل : ( لا تطر في الهواء ) كان هذا النهي متعلّقا بشيء غير مقدور للمكلّف تكوينا ؛ لأنّه غير قادر على الطيران واقعا فلا يمكن النهي عنه شرعا والتعبّد بعدمه.
وإذا قيل : ( دعي الصلاة أيّام أقرائك ) كان هذا النهي متعلّقا بشيء غير مقدور عليه شرعا ، أي أنّ الحائض بهذا الوصف لا يمكنها الإتيان بالصلاة ، فالصلاة غير مقدورة ولا يمكن للحائض الإتيان بها حقيقة ؛ لأنّ الصلاة يشترط فيها الطهارة وهي غير مقدورة للحائض حقيقة ، فإذا صلّت الحائض فهذه الصلاة ليست هي الصلاة المطلوبة شرعا ؛ لأنّها فاقدة للطهارة فهي لم تصلّ أصلا وإن أتت بشيء يشبه صورة الصلاة ، فواقعا وحقيقة لم تصلّ ولا تقدر على الصلاة.
وفي مقامنا إذا حملنا النقض على الإرشاد أي أنّ الشارع يرشدنا إلى أنّه لا يمكننا أن ننقض اليقين بالشكّ ، كان النقض غير مقدور لنا بسبب تعبّد الشارع ببقاء اليقين ، فعدم قدرتنا ليست تكوينيّة بل هي بسبب التعبّد والادّعاء الشرعي بأنّ اليقين لا ينقض بالشكّ ، ولذلك يكون اليقين باقيا على حاله ، وبالتالي تتمّ الصياغة الأولى بناء على استظهار جعل الطريقيّة والعلميّة في الاستصحاب كما هي مقالة السيّد الخوئي رحمهالله.
والحاصل : إننا أمام استظهارين :
الاستظهار الأوّل : أن يكون النهي تكليفيّا فهنا تتمّ الصياغة الثانية.
والاستظهار الثاني : أن يكون النهي إرشاديّا فتتمّ الصياغة الأولى.
ولكي نعيّن الصياغة الثانية لا بدّ من استظهار النهي التكليفي لا الإرشادي.
غير أنّه يكفي لتعيّن الصيغة الثانية في مقابل الأولى إجمال الدليل وتردّده بين الاحتمالين الموجب للاقتصار على المتيقّن منه ، والمتيقّن ما تقرّره الصيغة الثانية.
نعم ، يكفي لتعيّن الصيغة الثانية أن يكون الدليل مجملا ، فالنقض المنهي عنه في كبرى الاستصحاب كما يحتمل فيه النهي الحقيقي أي الحرمة التكليفيّة كذلك يحتمل فيه النهي الإرشادي ، فإذا لم يكن لدينا دليل على تعيين أحد الاحتمالين وقع التعارض بين الاستظهارين ويحكم بتساقطهما ، وصيرورة الدليل مجملا ، وعند إجمال الدليل يقتصر فيه على القدر المتيقّن من النقض.