وقد يجاب عن هذا الإشكال بما حاصله : أنّ متعلّق الأمر وإن لم يكن بنفسه حكما شرعيّا أو موضوعا لحكم شرعي ، إلا أنّه باعتبار آخر يكون وجوده دخيلا في الأمر ومن قيوده ، وذلك بأن يقال : إنّ الأمر إن وجد متعلّقه فهو يسقط ، فالأمر بالصلاة يسقط إذا أوجد المكلّف الصلاة ، وأمّا إذا لم يوجد الصلاة فالأمر بها باق ، وعليه فيكون استصحاب الطهارة باعتباره يرجع إلى تحقّق الصلاة بكامل شروطها وقيودها دخيلا في الموضوع ؛ لأنّه إذا كانت الصلاة عن طهارة فالمتعلّق متحقّق فالأمر ساقط.
وبهذا يكون وجود المتعلّق موضوعا لعدم الأمر والوجوب ، فيجري استصحابه لإثبات عدم الأمر وسقوطه.
وهذا من قبيل : الأمر بالعقيقة الذي أخذ فيه عدم إيجاد الأضحيّة ؛ لأنّ من ضحّى يسقط عنه الأمر بالعقيقة ، ولذلك فمن يحجّ ويذبح الأضحيّة يترتّب على ذلك سقوط الأمر بالعقيقة ؛ لأنّه أخذ في موضوع الأمر بها عدم الأضحيّة ، فمن شكّ في أنّه ضحّى أم لا وجرى استصحاب الأضحيّة أو استصحاب عدمها كان لهذا الاستصحاب مدخليّة في سقوط الأمر بالعقيقة أو بقائه ، مع أنّ المستصحب نفسه ليس إلا متعلّقا ؛ لأنّه جزء من أجزاء الحجّ وليس موضوعا ولا حكما.
وهذا الدفع للإشكال يتوقّف على أمرين :
الأوّل : أن يكون المراد من كون المستصحب حكما أو موضوعا الأعمّ من موضوع الحكم وموضوع عدم الحكم ، وهذا الأمر لا يبعد التسليم به وقبوله.
الثاني : أن يكون الأمر ساقطا إذا امتثل متعلّقه ، بمعنى أنّ امتثال المتعلّق مسقط للأمر. وهذا الأمر قد تقدّم الكلام عنه سابقا ، وقلنا : إنّ الامتثال والعصيان ليسا من مسقطات التكليف ، بل هما يسقطان التكليف عن الفاعليّة والمحرّكيّة لا عن مبادئه وملاكاته. فمن أدّى الصلاة يسقط التكليف عن تحريكه للصلاة لا أنّه يسقط التكليف رأسا ، وأنّه لا خطاب موجّه إليه ولو من ناحية المبادئ والملاكات. ولذلك لا يكون هذا الدفع تامّا.
والأولى في دفع الإشكال رفض هذه الصيغة الثالثة ، إذ لا دليل عليها سوى أحد أمرين :