وهذا الحكم المشروط الظاهري يصبح حكما فعليّا فيما إذا تحقّق الشرط ، أي أنّ الحرمة تصبح فعليّة إذا تحقّق الغليان.
وهذا الحكم الفعلي وإن كان لازما عقليّا ، إلا أنّه لازم عقلي لنفس الاستصحاب لا للمستصحب ، وقد تقدّم سابقا أنّ اللوازم العقليّة إذا كانت لنفس الاستصحاب فهي تثبت بلا إشكال ؛ لأنّ الدليل على الاستصحاب أمارة وهي الإخبار.
ولكنّ الكلام في كيفيّة كون الحرمة الفعليّة لازما عقليّا للاستصحاب لا للمستصحب.
والجواب : أنّ الفعليّة وصيرورة الحكم منجّزا ليست من شئون الثبوت الواقعي للشيء بل من لوازم العلم به ، فالحرمة للعنب الرطب لا تكون فعليّة إذا كان هناك عنب رطب وغلى واقعا من دون أن نعلم بذلك ، وهذا يعني أنّها ليست من لوازم الشيء ، بل من لوازم العلم به.
وهنا الحرمة للعنب الجافّ التي جرى استصحابها لا تكون فعليّة لمجرّد ثبوتها الظاهري ، بل تكون فعليّة لو علمنا بها وعلمنا بتحقّق الغليان أيضا ، وحيث إنّ الغليان ثابت لدينا بالوجدان ؛ لأنّ العنب الجافّ قد وضع فعلا على النار وغلى ، فتكون الحرمة الفعليّة ثابتة للعلم بالحكم المشروط ظاهرا ، إذ من الواضح أنّ غليان العنب الجافّ وحده لا يكفي للحرمة من دون علم بالحكم ولو ظاهرا ، ولذلك تكون الحرمة الفعليّة من شئون العلم بالحكم المستفاد من دليل الاستصحاب ، فهي لازم عقلي لنفس الاستصحاب الذي يولّد لنا هذا الحكم المشروط الظاهري ، وهذا اللازم العقلي حجّة ؛ لأنّ لوازم الاستصحاب العقليّة حجّة لأنّ دليله أمارة.
الاعتراض الثالث : أنّ استصحاب الحكم المعلّق معارض باستصحاب الحكم المنجّز ، ففي مثال العنب كما يعلم بالحرمة المعلّقة على الغليان سابقا كذلك يعلم بالحلّيّة الفعليّة المنجّزة قبل الغليان فتستصحب ، ويتعارض الاستصحابان.
الاعتراض الثالث : يتّجه إلى إبراز المعارض لاستصحاب الحكم المعلّق بعد التسليم والفراغ عن تماميّة أركانه ، فلو قلنا بجريان الاستصحاب التعليقي إلا أنّه مع ذلك لا يمكن الأخذ به لوجود المعارض له ، وهو الاستصحاب التنجيزي أي استصحاب الحكم المنجّز.