ومثاله : أن يعلم بوجود الكلّي ضمن فرد ويعلم بارتفاعه تفصيلا ، ويشكّ في انحفاظ وجود الكلّي في ضمن فرد آخر يحتمل حدوثه حين ارتفاع الفرد الأوّل أو قبل ذلك ، ويسمّى هذا في كلماتهم بالقسم الثالث من استصحاب الكلّي ، وقد يتخيّل جريانه على أساس تواجد أركانه في العنوان الكلّي ، وإن لم تكن متواجدة في كلّ من الفردين بالخصوص.
الحالة الثانية : أن يكون الشكّ في بقاء الكلّي مسبّبا عن الشكّ في حدوث الفرد ، ولكنّ الشكّ في حدوث الفرد ليس شكّا مقرونا بالعلم الإجمالي ، بل شكّ بدوي بالحدوث.
مثاله : أن يعلم بدخول زيد إلى المسجد فيعلم بدخول كلّي الإنسان ، ثمّ يعلم بخروج زيد من المسجد ، ولكن يشكّ في ارتفاع كلّي الإنسان وبقائه من أجل الشكّ في أنّ عمرا هل دخل المسجد أيضا مع زيد أو قبله أو لم يدخل المسجد أصلا؟ فيشكّ في بقاء الكلّي ضمن فرد آخر غير الفرد الذي علم حدوثه ضمنه.
وهذا الشكّ في البقاء مسبّب عن الشكّ البدوي في الفرد ؛ إذ لا علم تفصيلا ولا إجمالا بدخول عمرو أيضا إلى المسجد.
وهذا القسم يسمّى في كلمات الأصوليّين بالقسم الثالث من استصحاب الكلّي.
وقد يقال : إنّ استصحاب الكلّي في هذا القسم يجري لتماميّة أركانه بلحاظ الكلّي ، إذ هو معلوم الحدوث ومشكوك البقاء فيستصحب ، نعم بلحاظ الفرد لا يجري الاستصحاب ؛ لأنّه بلحاظ الفرد الأوّل لا شكّ في البقاء للعلم بارتفاعه ، وبلحاظ الفرد الثاني لا يقين بالحدوث إذ هو مشكوك الحدوث ابتداء.
وهذا القول إنّما يتصوّر بناء على كون الكلّي له وجود مستقلّ عن الأفراد كما هي مقالة الرجل الهمداني ، ولذلك عبّر السيّد الشهيد عنه بالتخيّل.
ولكن يندفع هذا التخيّل بأنّ العنوان الكلّي وإن كان هو مصبّ الاستصحاب ولكن بما هو مرآة للواقع ، فلا بدّ أن يكون متيقّن الحدوث مشكوك البقاء بما هو فان في واقعه ومرآة للوجود الخارجي.
ومن الواضح أنّه بما هو كذلك ليس جامعا للأركان ، إذ ليس هناك واقع خارجي يمكن أن نشير إليه بهذا العنوان الكلّي ونقول بأنّه متيقّن الحدوث مشكوك