كمفهومين بلحاظ عالم الجعل متغايران وكذا نفس الإكرام كملحوظ ومرئي يغاير الإطعام ، وليس أحدهما محفوظا في الآخر ومندمجا فيه ؛ إذ الإكرام لا يتركّب من الإطعام ولا الإطعام يتركّب من الإكرام كما هو الحال في الجنس والنوع.
نعم ، يوجد بين هذين المفهومين عموم وخصوص مطلق من حيث الصدق الخارجي ، فإنّ كلّ إطعام إكرام ولكن ليس كلّ إكرام إطعاما.
وفي الصورتين تجري البراءة عن الأكثر ؛ لأنّ العلم الإجمالي الدائر بين المفهومين منحلّ ، إلا أنّ الانحلال يختلف ، ففي الصورة الأولى يكون الانحلال حقيقيّا بينما في الصورة الثانية يكون الانحلال حكميّا ، ولذلك نقول :
فالحالة الأولى تدخل في نطاق الدوران بين الأقلّ والأكثر حقيقة إذا أخذنا بالاعتبار مقدار ما يدخل في العهدة ، وليست من الدوران بين المتباينين ؛ لأنّ تباين المفهومين إنّما هو بالإجمال والتفصيل ، وهما من خصوصيّات اللحاظ التي لا تدخل في العهدة ، وإنّما يدخل فيها ذات الملحوظ ، وهو مردّد بين الأقلّ وهو الجنس ، أو الأكثر وهو النوع.
أمّا الحالة الأولى : وهي حالة كون التغاير بين المفهومين في الإجمال والتفصيل في عالم اللحاظ والصور الذهنيّة ، أي في عالم التحليل العقلي كما في الجنس والنوع. فهنا يكون الانحلال حقيقيّا لسريان العلم من الجامع إلى الفرد.
ففي قولنا : أكرم العالم إذا شكّ في أنّه مطلق العالم أو خصوص الفقيه ، فإنّ الفقيه هو العالم بالفقه وهذا معناه أنّنا نعلم بوجوب إكرام العالم على كلّ تقدير ، سواء كان المطلوب والمتعلّق هو مطلق العالم بأي حصّة منه أو خصوص الفقيه.
والوجه في ذلك : أنّ ما يدخل في العهدة وتشتغل به الذمّة هو ذات الملحوظ لا الحدود اللحاظيّة ، فإنّها ممّا لا تقبل الدخول في العهدة ، وهنا ذات الملحوظ مردّدة بين العالم أو العالم الفقيه ، وهذا من الأقلّ والأكثر الارتباطيّين حقيقة ، والذي ينحلّ إلى علم تفصيلي بالأقلّ أي العالم ، وشكّ بدوي بالأكثر أي الفقيه.
نعم ، إذا أخذنا الحدود واللحاظات الذهنيّة فالعالم والفقيه متباينان بلحاظ أنّ هذا جنس وذاك نوع ، ولكن بالتحليل الذهني نرى أنّ التباين بلحاظ الإجمال والتفصيل فقط ، أو بلحاظ اللفّ والنشر ، إلا أنّ هذه الحدود لا تدخل في العهدة ولا تشتغل بها