وأمّا المجعول فهو حكم اعتباري انتزاعي وليس حقيقيّا ؛ لأنّ العقل عند ما يلاحظ وجود الموضوع في الخارج مع سائر قيوده وشروطه يراه فعليّا على المكلّف فيسمّى بالمجعول ، وأمّا الامتثال فهو حكم العقل بلزوم الإطاعة للتكليف والجري على وفق ما يتطلّبه في مقام العمل من فعل أو ترك.
وبتعبير آخر : إنّ التنافي يمكن ملاحظته في ثلاث مراحل :
الأولى : مرحلة الجعل أي التنافي بين الحكمين ؛ لأنّ الجعل عبارة عن الحكم الكلّي على موضوعه الكلّي المقدّر الوجود. وهو مدلول للدليل ؛ لأنّ الدليل مفاده الجعل والحكم ، كما في ( أقيموا الصلاة ) ، فإنّ هذا الدليل مفاده أو مدلوله جعل وجوب الصلاة.
الثانية : مرحلة المجعول ، أي التنافي في الفعليّة ؛ لأنّ المجعول هو الحكم الفعلي الذي صار موضوعه فعليّا ومنجّزا على المكلّف بتحقّق قيوده وشروطه ، كما في وجوب الحجّ على المستطيع فإنّه يصبح فعليّا بتحقّق الاستطاعة في الخارج.
الثالثة : مرحلة الامتثال في عالم المتطلّبات ؛ لأنّ كلّ تكليف يقتضي متطلّبات على طبقه ، فحرمة شرب الخمر تقتضي الامتناع والزجر عن الشرب.
ففي مرحلة الجعل إذا وقع التنافي بين الحكمين كان كلّ منهما معارضا للآخر ، كما في : ( صلّ ولا تصلّ ).
وهنا حيث يستحيل تشريع مثل هذين الحكمين للتناقض بينهما فيستحيل صدورهما من الشارع معا ، ولذلك يقع التكاذب والتنافي بينهما.
وأمّا في مرحلة المجعول فالتنافي بين الحكمين في مرحلة الفعليّة بحيث يكون كلّ منهما معارضا للآخر فيها ، فهذا إنّما يكون في فرض إمكان وصول الحكمين المتنافيين إلى المكلّف ، ولمّا كانا متنافيين ومتضادّين فلا يمكن فرض وصولهما معا ، ومع عدم وصولهما معا لا يكون بينهما تناف ولا تعارض بلحاظ الفعليّة والمجعول.
وفرض التنافي في الفعليّة يكون فيما إذا كان أحد الدليلين قد أخذ في موضوعه عدم الآخر كما في الحكم الواقعي والحكم الظاهري ، فإنّهما لا يكونان فعليّين على المكلّف معا ؛ لأنّ تحقّق موضوع أحدهما يعني ارتفاع موضوع الآخر ، وكما في الوضوء والتيمّم أيضا.