وأمّا الوجوب التقديري فهو معلوم بنفسه ولكنّه لا يجدي نفعا ؛ لأنّ الشكّ في ثبوت هذا التقدير في الخارج لا يزال قائما ممّا يعني بقاء الشكّ في ثبوت الحكم لهذا الفرد.
وإن أريد به إثبات وجوب إكرام زيد على تقدير فسقه ، فهذا واضح الفساد ؛ لأنّه إذا كان فاسقا فهو مشمول لدليل الخاصّ لا لدليل العامّ ؛ لأنّ دليل الخاصّ ينفي وجوب الإكرام عن كلّ فقير فاسق ، فإذا كان زيد فاسقا أو لو فرض كونه فاسقا فهو مشمول لدليل الخاصّ. ومن الواضح أنّ دلالة الخاصّ أقوى من دلالة العامّ للقرينيّة المتقدّمة ، فيكون الفرد المشكوك في هذه الحالة مشمولا لدلالة الخاصّ الأقوى.
وإن أريد به إثبات الوجوب الفعلي لإكرام زيد لوجود المقتضي لإكرامه وانتفاء المانع منه ، فهذا معناه إحراز كونه فقيرا غير فاسق ، وهذا هو المطلوب ولكنّه عين المتنازع فيه ، إذ كيف يمكن إثبات كون هذا الفرد المشكوك فقيرا غير فاسق؟!
ولا يمكن إثبات ذلك إلا بأن يكون العامّ نفسه متكفّلا للدلالة على أنّ هذا الفرد المشكوك يكون فردا من أفراده حال التمسّك بالعامّ فيه ، ممّا يعني أنّ التمسّك بالعامّ يثبت مصداقه بالفعل.
إلا أنّ هذا باطل لا محالة ؛ لأنّ العامّ لو فرض كونه مثبتا لمصداقه فهذا معناه كون دليل العامّ ناظرا إلى قضيّة خارجيّة لا حقيقيّة ؛ لأنّ إثبات المصداق الفعلي في الخارج معناه الانتقال من عالم الجعل إلى عالم المجعول.
ومن الواضح أنّ عالم الجعل إنّما يكون مفاده جعل الحكم على الموضوع المقدّر والمفترض الوجود ، بينما عالم المجعول مفاده النظر إلى تحقّق الوجوب الفعلي في الخارج عند تحقّق موضوعه خارجا ، وإثبات نظر دليل العامّ إلى كلا المفادين معا لا يمكن الالتزام به ، مضافا إلى كونه خلف التشريع للأحكام ؛ لأنّ الشارع إنّما يشرّع الحكم على تقدير الموضوع ، ولا يتدخّل في إثبات الموضوع في الخارج أو عدم إثباته.
والحاصل هنا : أنّ التمسّك بالعامّ إذا أريد به إثبات موضوعه وكون هذا الفرد المشكوك مصداقا لموضوع العامّ باعتباره فقيرا غير فاسق ، فهذا وإن كان هو المطلوب ولكن إثباته غير ممكن ؛ لأنّ دليل العامّ كغيره من الأحكام الشرعيّة ينظر إلى عالم الجعل حيث يكون فيه الحكم مجعولا على موضوعه المقدّر ، ولا نظر فيه إلى عالم