وأمّا المفهوم فهو أيضا مطلق ففي جملة : ( إذا خفي الأذان فقصّر ) المفهوم فيها إذا لم يخف الأذان فينتفي وجوب التقصير سواء خفيت الجدران أو لا ، وهذا معناه إثبات العلّة الانحصاريّة لخفاء الأذان وأنّه لا يوجد علّة أخرى غيره ؛ لأنّه لو كان هناك علّة أخرى لكان اللازم التقييد بـ ( أو ) ، فيقال : ( إذا خفي الأذان أو خفيت الجدران فقصّر ) ، وهذا يعني أنّ المفهوم مطلق بالإطلاق المقابل للتقييد بـ ( أو ).
وهكذا الحال بالنسبة لجملة : ( إذا خفيت الجدران فقصّر ) ، فإنّ المفهوم فيها مطلق بالإطلاق المقابل للتقييد بـ ( أو ) أيضا.
والحاصل : أنّ المنطوق في كلتا الجملتين مطلق بالإطلاق المقابل لـ ( الواو ) ، والمفهوم في كلتا الجملتين مطلق بالإطلاق المقابل لـ ( أو ).
ولكن لمّا كان كلا الإطلاقين لا يمكن الأخذ بهما للتنافي والتهافت بينهما ، فلا بدّ من رفع اليد عن أحد هذين الإطلاقين.
فإذا رفعنا اليد عن إطلاق المفهوم في الجملتين فهذا معناه أنّ المفهوم مقيّد ، ممّا يعني أنّ خفاء الأذان ليس هو العلّة المنحصرة ، وخفاء الجدران ليس هو العلّة المنحصرة ، فينتج أنّه يوجد علّتان تامّتان مستقلّتان للجزاء ، وهذا يفترض أن يكون خفاء الأذان أو خفاء الجدران موجبا للتقصير ، فيثبت التقييد بـ ( أو ) في مقابل رفع اليد عن الإطلاق في المفهوم ؛ لأنّ الإطلاق في المفهوم كان مقابل التقييد بـ ( أو ).
وإذا رفعنا اليد عن إطلاق المنطوق في الجملتين فهذا معناه ثبوت التقييد بـ ( الواو ) المقابل لإطلاق المنطوق ، فتكون النتيجة هي أنّ كلاّ من الشرطين لا بدّ من انضمامهما معا لثبوت الجزاء ، ولا يكفي ثبوت أحدهما ، أي أنّه إذا خفي الأذان وخفيت الجدران فقصّر.
وإلى هذا المطلب أشار السيّد الشهيد بقوله لأنّه إذا افترضنا الشرطين علّتين مستقلّتين فهذا معناه رفع اليد عن إطلاق المفهوم فيهما ، وإذا افترضنا كون الشرطين معا منضمّين هما العلّة فهذا يعني رفع اليد عن إطلاق المنطوق فيهما.
وبهذا يظهر أنّ التعارض بين إطلاق المنطوقين مع إطلاق المفهومين.
وهذا التعارض النسبة فيه بين الإطلاقين نسبة العموم من وجه لا العموم المطلق ؛ وذلك لأنّهما يجتمعان فيما إذا خفيت الجدران وخفي الأذان معا ، فإنّه في هذه الحالة