في أيّ فرد شاء من أفراد الفقير بما في ذلك الفقير الفاسق ، فإنّه في هذا المورد يكون خطاب ( لا تكرم الفاسق ) شاملا له ومثبتا لحكم إلزاميّ فيه وهو حرمة الإكرام ، بينما خطاب ( أكرم فقيرا ) يشمله بلحاظ الترخيص في تطبيق الطبيعة المطلوبة عليه ، بمعنى أنّه يجوز للمكلّف أن يطبّق الطبيعة فيه ، فيقع التعارض بينهما بلحاظ الإلزام في أحدهما والترخيص والجواز في الآخر.
ولكن تقدّم سابقا أنّه متى ما تعارض دليل إلزامي مع دليل ترخيصي قدّم الأوّل على الثاني ، وهنا يقدّم دليل الإلزام على دليل الترخيص في مادّة اجتماعهما تطبيقا لتلك الكبرى.
وهذا معناه تقدّم الإطلاق الشمولي على البدلي.
ونلاحظ على ذلك : أنّ حرمة إكرام الفقير الفاسق تنافي الوجوب بنفسه مع فرض تعلقه بصرف وجود الفقير بلا قيد العدالة ، بقطع النظر عمّا يترتّب على ذلك من ترخيصات في التطبيق ، فالتنافي إذا بين إطلاقي حكمين إلزاميّين.
ويرد على ذلك : أنّ الترخيص في التطبيق ليس حكما شرعيّا وإنّما هو حكم انتزاعي عقلي من تعلّق الحكم بالطبيعة ، ولذلك ليس لدينا إلا حكم واحد في خطاب ( أكرم فقيرا ) وهو وجوب إكرام الفقير بنحو صرف الوجود من دون دخالة أيّ قيد فيه ، أي سواء كان عادلا أم فاسقا ، فهو بإطلاقه يتنافي مع حرمة إكرام الفاسق في مورد اجتماعهما في الفقير الفاسق ؛ لأنّه بإطلاق خطاب ( أكرم فقيرا ) يثبت وجوب إكرامه ، وبإطلاق ( لا تكرم الفاسق ) يثبت حرمة إكرامه ، فيقع التعارض بين الخطابين بلحاظ إطلاقيهما ، مع قطع النظر عن الترخيص المنتزع بحكم العقل ، فإنّه ناظر إلى كيفيّة امتثال ذاك الحكم فقط وليس ناظرا إلى إثبات جعولات شرعيّة ترخيصيّة كما هو واضح.
ولذلك يقع التعارض بين دليلين إلزاميّين بحسب الإطلاق في كلّ منهما ، لا بين دليل إلزامي وآخر ترخيصي ، فهذا الوجه غير تامّ.
اللهمّ إلا أن يقال : إنّ الإطلاق البدلي للأمر بالإكرام ، حاله عرفا كحال إطلاق أدلّة الترخيص في أنّه لا يفهم منه أكثر من عدم وجود مقتض من ناحية الأمر للتقيّد بحصّة دون حصّة ، فلا يكون منافيا لوجود مقتض لذلك من ناحية التحريم المجعول في الدليل الآخر.