الاستصحابين السببي والمسبّبي في بعض الموارد ، فإنّه يحكم بترجيح أحدهما على الآخر.
والحاصل : أنّ قواعد التعارض تطبّق على التعارض بين الأصلين فكيف يقال بخروجها عن موضوع التعارض؟!
وأمّا الحلّ : فإنّ التعارض الذي يطلق على الأصول العمليّة في حال جريانها في مورد واحد ، إنّما هو التعارض بمعنى التنافي في النتيجة العمليّة التي يؤدّي إليها كلّ واحد منهما ، وليس المقصود منه التعارض الاصطلاحي بمعنى التنافي بين الجعلين أو مدلولي الدليلين. وعليه ، فالتعارض ليس بمعناه الاصطلاحي ، بل بمعناه اللغوي وهو التمانع.
فإذا تعارضت البراءة والاحتياط أو البراءة والاستصحاب المنجز ، كان معنى ذلك أنّ النتيجة التي تؤدّي إليها البراءة وهي التعذير والتأمين متنافية مع النتيجة التي يؤدّي إليها الاحتياط والاستصحاب المنجّز ، وهذا التنافي في النتيجة معناه التنافي في المعلول لكلّ منهما ؛ لأنّ التعذير معلول للبراءة والتنجيز معلول للاحتياط مثلا ، ومن ثمّ يطلق التعارض على مثل البراءة والاحتياط إذا اجتمعا في مورد واحد ، وهذا الإطلاق ليس بالمعنى الاصطلاحي بل بالمعنى اللغوي. هذا فيما إذا لاحظنا نفس الأصل العملي.
وأمّا إذا لاحظنا الدليل الدالّ على الأصل العملي ، فلاحظنا دليل البراءة مثلا « رفع ما لا يعلمون » ، ولاحظنا دليل الاحتياط مثلا ( لا تقتحم الشبهات ) أو ( احتط لدينك ) ، فهنا إذا اجتمعت البراءة والاحتياط في مورد لم يكن بينهما بذاتيهما تعارض بالمصطلح ، ولكن بلحاظ الدليل الدالّ عليهما يقال بوقوع التعارض المصطلح بين دليل البراءة ودليل الاحتياط على فرض تماميّته ؛ لأنّ الدليلين متنافيان بلحاظ المدلول أي بلحاظ الجعل الشرعي ، فإنّ البراءة حكم شرعي والاحتياط حكم شرعي وهما متنافيان فلا يمكن جعلهما على موضوع واحد.
ومن هنا نعرف أنّ التعارض بين أصلين عمليّين مردّه إلى وقوع التعارض المصطلح بين دليليهما ، وكذلك الأمر في التعارض بين أصل عمليّ ودليل محرز ، فإنّ مردّه إلى وقوع التعارض بين دليل الأصل العملي ودليل حجّيّة ذلك الدليل المحرز.