الاستصحاب دون العكس ؛ لأنّ عدم العلم أو الشكّ لم يؤخذ في لسان دليل حجّيّة الأمارة ، بل هو مطلق حتّى لحالة العلم كما قلنا.
ونلاحظ على ذلك كلّه : أنّ الدليل الحاكم لا تتمّ حكومته إلا بالنظر إلى مفاد الدليل المحكوم كما تقدّم ، ودليل حجّيّة الخبر في المقام وكذلك الظهور هو السيرة العقلائيّة وسيرة المتشرّعة.
أمّا السيرة العقلائيّة فلم يثبت انعقادها على تنزيل الأمارة منزلة القطع الموضوعي ؛ لعدم انتشار حالات القطع الموضوعي في الحياة العقلائيّة على نحو يساعد على انتزاع السيرة المذكورة.
وإمضاء السيرة العقلائيّة شرعا لا دليل على نظره إلى أكثر ممّا تنظر السيرة إليه من آثار.
وأمّا سيرة المتشرّعة فالمتيقّن منها العمل بالخبر والظهور في موارد القطع الطريقي ، ولا جزم بانعقادها على العمل بهما في موارد القطع الموضوعي.
ويرد على القول بالحكومة :
أنّ الحكومة من أنواع القرينيّة الشخصيّة التي يتمّ إعدادها شخصيّا من قبل المتكلّم نفسه ، وهذا يشترط فيه أن يكون الكلام الثاني الذي أعدّه للتفسير ناظرا إلى الكلام الأوّل ، والنظر إنّما يثبت بأحد ملاكات ثلاثة كما تقدّم.
وهنا نقول : إنّ دليل حجّيّة الأمارة لا يمكن أن يكون حاكما على دليل حجّيّة الأصل بحيث يكون رافعا لموضوعه تعبّدا ؛ وذلك لعدم إحراز النظر الذي هو ملاك الحكومة.
والوجه في عدم إحراز النظر أنّ دليل حجّيّة الخبر وكذلك دليل حجّيّة الظهور إنّما هو السيرة العقلائيّة أو سيرة المتشرّعة ، وكلاهما لم يثبت النظر فيهما ، وتفصيل ذلك :
أمّا السيرة العقلائيّة فعدم إحراز النظر فيها من جهة أنّ حكومة دليل حجّيّة الأمارة على دليل حجّيّة الأصل يتوقّف على أن تكون الأمارة قائمة مقام القطع الموضوعي لا الطريقي فقط ، وقيام الأمارة مقامه يحتاج إلى دليل.
فإن كان الدليل هو نفس الدليل الدالّ على حجّيّة الأمارة أي السيرة العقلائيّة ، فهذا لا يمكن التسليم به ؛ لأنّ القطع الموضوعي لا يحرز قيام السيرة العقلائيّة عليه ،