وهكذا نعرف أنّ التعارض المصطلح يقوم دائما بين الأدلّة المحرزة.
وبناء على ما تقدّم نقول : إنّه لا تعارض بين الأصلين العمليّين بذاتيهما ، وإنّما التعارض بينهما بلحاظ الدليلين الدالّين عليهما ، ولا تعارض أيضا بين الأصل العملي والدليل المحرز وإنّما التعارض بينهما بلحاظ الدليل الدالّ على الأصل العملي مع الدليل المحرز نفسه ، فهنا أمران :
الأوّل : عدم وقوع التعارض بين الأصلين أنفسهما ورجوعه إلى الدليلين الدالّين عليهما ، وهذا ما تقدّم بيانه سابقا.
الثاني : عدم وقوع التعارض بين الأصل العملي والدليل المحرز كما إذا تعارضت البراءة في مورد مع خبر الثقة ، أو تعارض الاستصحاب مع خبر الثقة ، فهنا لا تعارض بين نفس الاستصحاب كأصل عمليّ وبين خبر الثقة كدليل محرز ؛ وذلك لأنّ الأصل العملي كما تقدّم لا يحكي ولا يكشف عن المدلول والجعل الشرعي ، وإنّما يحدّد ويسجّل الوظيفة العمليّة للشاكّ فقط.
ولكن لو لاحظنا الدليل المحرز الدالّ على الاستصحاب كالروايات التي استعرضناها سابقا في بحث الاستصحاب ، وجدنا أنّه يوجد تعارض بين تلك الروايات وبين الأدلّة الدالّة على حجّيّة خبر الثقة ، فإنّ الروايات الدالّة على الاستصحاب تجعل له الحجّيّة في مورده ، وكذا الروايات الدالّة على خبر الثقة أو السيرة العقلائيّة الممضاة الدالّة عليه تجعل له الحجّيّة في مورده ، فيقع التعارض بين الدليلين الدالّين على جعل الحجّيّة للاستصحاب ولخبر الثقة ، وحينئذ لا بدّ من علاج هذا التعارض من الجمع بينهما أو الترجيح أو التساقط.
وبهذا يتّضح لنا أنّ موضوع التعارض الاصطلاحي هو الأدلّة المحرزة ، ولكن تارة يكون بين الأدلّة المحرزة مباشرة كما في التعارض بين خبرين مثلا أو التعارض بين رواية وآية ظنّيّة الدلالة.
وأخرى يكون بين الأدلّة المحرزة بتوسّط التعارض بين الأصلين العمليّين أو الأصل العملي مع الدليل المحرز ، كما هو الحال في التعارض بين الأصلين الذي يستتبع التعارض بين الدليلين الدالّين عليهما ، وكما هو في مورد التعارض بين الأصل العملي والدليل المحرز فإنّه يرجع إلى التعارض بين دليل الأصل العملي مع الدليل المحرز.